يحتفي المسلمون في كل بقاع الأرض في العاشر من شهر ذي الحجة من كلّ عام بقدوم عيد الأضحى المبارك، واليوم هو أول أيام العيد، وهو ثاني العيدين عند المسلمين بعد عيد الفطر، ويأتي هذا اليوم المُبارك في وقت لا يزال فيه الحجّاج يُؤدّون مناسكهم، وسُمّي هذا اليوم بيوم النّحر؛ لأن الأضاحي تُنحر فيه، فالأضحية نسك من أنساك الإسلام، وشعيرة من شعائره العظام، أمر بها الله «سبحانه وتعالى» في كتابه الكريم فقال: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾، وحث عليها نبينا محمد «صلى الله عليه وسلم» قولًا وعملًا. أما عن قوله عليه الصلاة والسلام: فما روى البراء بن عازب رضي الله عنه عن رسول الله: (إِنَّ أوَّلَ ما نَبدَأُ به في يَومِنا هَذا أنْ نُصلِّيَ، ثمَّ نَرجِعَ فَنَنْحَر، مَنْ فَعَلَهُ فَقَد أَصابَ سُنَّتَنا، ومَنْ ذَبَحَ قَبْلُ فَإِنَّما هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ في شَيءٍ) فقام أبو بُردة بن نيار وقَدْ ذَبَحَ، فقالَ: إِنَّ عِندي جَذَعَةٌ، فقالَ: (اذْبَحْها وَلَن تُجْزِئَ عَن أَحَدٍ بَعْدَكَ)، وقوله أيضًا «عليه الصلاة والسلام»: فيما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (ضَحَّى رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَينِ أَمْلَحَينِ أَقْرَنَينِ، قال: وَرَأَيتُهُ يَذْبَحْهُما بِيَدِهِ، وَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفاحِهِمَا، قال: وَسَمَّى وَكَبَّرَ)، دل هذان الحديثان وغيرهما من الأحاديث الكثيرة على مشروعية الأضحية، وأن لها منزلة كبيرة وشأنًا عظيمًا في الإسلام وهي من الشعائر المُجمع عليها، فهي سنة مؤكدة والواجب تعظيمها، كما أن لها شروطًا يجب توافرها فيها مما يدل على عظيم ثوابها عند الله، فالله يحب أن تراق دماء الذبائح؛ ابتغاء وجهه ومرضاته، وهذا ما رواه عبدالله بن عباس أنّ رسول الله قال: (ما من نفقَةٍ بعدَ صلةِ الرَّحمِ أعظمُ عندَ اللَّهِ من إِهْراقِ الدَّمِ). تعتبر الأضحية من إطعام الطعام الذي هو من صفات عباد الله، وثوابها دخول الجنة، وممّا يدلّ على هذا الفضل، ما رواه عبدالله بن سلام رضي الله عنه، حيث كان من الذين استقبلوا رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في المدينةالمنورة، وسمعه يقول: (يا أيُّها النَّاسُ أفشوا السَّلامَ، وأطعِموا الطَّعامَ، وصِلوا الأرحامَ، وصلُّوا باللَّيلِ، والنَّاسُ نيامٌ، تدخلوا الجنَّةَ بسَلامٍ). الأضحيةُ هي شكر لله تعالى على نعمة الحياة، وهي إحياءٌ لسنّةِ سيدنا إبراهيم الخليل «عليه السّلام»، إذ رأى في المَنام أنّه يذبحُ ولده إسماعيل، ولأنّ رُؤيا الأنبياء حق، فقد همّ سيدنا إبراهيم بذبح ولده امتثالًا لأمر الله، ولكنّ الله -سبحانه وتعالى- أرسل كبشًا عظيمًا فداءً لسيّدنا إسماعيل، من هذه القصة يتّعظ المسلم ويتعلم الصبر وإيثار محبة الله على محبة النفس، كما أن فيها توسعة على أهل البيت وإكرامًا للجار والضيف، وصدقة للفقير، وهو تحدث بنعمة الله، قال تعالى: (وأما بنعمة ربك فحدث)، تقبل الله أضحيتكم وصالح أعمالكم وكل عام والجميع بخير.