(يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس). في أعظم أيام الدنيا وعلى أطهر بقاع الأرض تتجلى صنوف الإحسان وتمتد الأيادي البيضاء بألوان العطاء.. فإن كنت الساعة ترغب في ارتشاف جرعة من الانشراح وتتطلع للانتشاء بالشعور بالسلام يلف الكون من حولك فلا عليك سوى مطالعة أنباء خدمات الحجيج عبر القنوات الإعلامية المتنوعة وأوصيك تحديدا بمتابعة اللقطات البريئة والمشاهد العفوية لرجال الأمن المكلفين بخدمة الحجاج ورعايتهم.. وكلي ثقة حينها بأنك ستجدد ولاءك لهذا الشعب السخي وستمتلئ حبا لهذا الوطن المعطاء.. فكم طالعتنا الصور -ولا تزال- مشاهد مساعدة كبار السن رجالا ونساء، فهناك جندي حمل على ظهره شيخا حافي القدمين طاعنا في السن يتنقل به بين المشاعر المقدسة، وهنا شاب يسقي عجوزا ويظلل بجسده عليه ليحميه من أشعة الشمس الحارقة، وذاك حارس يطعم عجوزا وثالث يمسح دمع طفل تائه ويلاعبه، وأولئك مجموعة من الجنود يجلسون على قارعة الطريق يتناولون طعامهم بصحبة عمال النظافة في بساطة وتواضع يأسر النفوس، وآخر يرش رذاذ الماء البارد على رؤوس الحجاج من فوقهم، وعلى طرقات مكة الرحبة وفوق ترابها الطاهر تجد الكثير من مشاهد الحب والإخاء قد سارت بها الركبان وتلحظ المثير من مناظر الشفقة والحنان قد طارت بها الأنباء وحلقت بها النفوس.. فلله درهم وعلى الله أجرهم.. ولا غرو.. فهذه بلاد الحرمين ومهد الرسالات وأرض النبوات وموطئ أقدام خير الخليقة صلوات ربي وسلامه عليه وآله ومسقط رأسه الشريف الذي علم أمته فنون التعامل الإنساني الراقي ولقنهم أصول العطاء اللامشروط.. وتلكم أم القرى.. أحب البلاد إلى الله.. بلد الحب.. ولن يعدم أهلها خيرا من رب يحب الخير ويأمر به ويُثيب عليه.. وإنها لبركة إجابة الأوامر الربانية التي أسندت إلى إمام الحنفاء إبراهيم عليه السلام: «وإِذ بوأنا لِإِبراهِيم مكان البيتِ أن لا تُشرِك بِي شيئا وطهِر بيتِي لِلطائِفِين والقائِمِين والرُكعِ السُجُودِ» [الحج: 26]. وهاهم آله وأهل ملته يحذون حذوه حتى يومنا هذا تحت قيادة رشيدة قد أخذت على عاتقها خدمة الحرمين الشريفين وضيوفهما الكرام فكان ذلك لها فخرا وشرفا حباها به الرحمن، فالحمد لله أولا وآخرا.