وقع الاتحاد الأوروبي واليابان الشهر الجاري في طوكيو اتفاقا تاريخياً يقضي بإلغاء جميع التعريفات الجمركية تقريبا على كافة تبادلاتهما التجارية. وبالتزامن تبحث واشنطن فرض رسوم جمركية على وارداتها من السيارات الأوروبية واليابانية. ويقول تقرير لوكالة «بلومبرج» الاقتصادية: إن الاتفاق يغطي نحو ثلث حجم الاقتصاد العالمي وسوقا ضخما يبلغ عدد مستهلكيه قرابة 600 مليون نسمة. وبحسب رئيس المجلس الأوروبي «دونالد تاسك» فإنه يعتبر أضخم اتفاق تجاري ثنائي على الاطلاق، وأشار إلى أنه سيعزز الشراكة بين الجانبين في مختلف المجالات الأخرى بما فيها الدفاع وتغير المناخ والتبادلات البشرية. ونوه التقرير إلى أن قادة اليابان والاتحاد الأوروبي لم يذكروا صراحة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالاسم، ولكنه بدا واضحاً كيف ساهمت تعريفاته الجمركية وسياساته الحمائية في التقريب بين اليابان والاتحاد الأوروبي. وأشار التقرير إلى أنه تم الانتهاء من الاتفاق أواخر العام الماضي بعد 5 سنوات من المفاوضات. وتم تأجيل مراسم توقيعه والتي كانت مقررة في وقت سابق من الشهر الجاري، بعدما ألغى رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي زيارته لبروكسل بسبب كارثة الفيضانات والانهيارات الأرضية الناجمة عن الأمطار الغزيرة في جنوب غرب اليابان، والتي تسببت في مقتل أكثر من 200 شخص. ويقول التقرير: إن بنود الاتفاق لن يبدأ تطبيقها في الحال، حيث لا تزال تتطلب موافقة تشريعية. ولكنه من المنتظر أن يجلب الاتفاق للمستهلكين اليابانيين أسعارا أقل للعديد من المنتجات الأوروبية مثل اللحوم والأدوية. وفي المقابل ستصبح قطع غيار الآلات اليابانية إلى جانب المنتجات اليابانية من الشاي والسمك أرخص في أوروبا. ويشير التقرير إلى أن الاتفاق يلغي حوالي 99% من التعريفات على السلع اليابانية المباعة إلى الاتحاد الأوروبي. وفي المقابل سيتم رفع حوالي 94% من التعريفات المفروضة على الصادرات الأوروبية إلى اليابان، لترتفع إلى 99% في المستقبل، وتتلاشي كلياً في وقت لاحق. ويأمل الاتحاد الأوروبي في أن يسهم تحرير التجارة في زيادة الصادرات الأوروبية من الكيماويات والملابس ومستحضرات التجميل إلى اليابان. وفي المقابل سيتمتع المستهلكون اليابانيون بأسعار أرخص لمنتجات الجبن والشوكولاتة. ومن المنتظر أن يكون للاتفاق الذي سيدخل حيز التنفيذ مطلع العام المقبل أثر بالغ على السلع والخدمات المتبادلة بين الجانبين والتي تبلغ قيمتها نحو 152 مليار دولار. وبالإضافة إلى ذلك، سيسهم الاتفاق في رفع الحواجز غير الجمركية، مما سيسمح للجانبين بمواءمة المعايير والأنظمة الخاصة بهما. كما سيؤدي إلى تمكين الشركات اليابانية من الاستثمار بسهولة أكبر في الدول الأوروبية، وفي المقابل ستصبح الشركات الأوروبية قادرة على التقدم للمشاركة في المشروعات اليابانية بما في ذلك القطاع العام وحتى الصناعات المكفولة للشركات اليابانية مثل الرعاية الصحية. وينوه التقرير إلى أن اليابان تسعى جاهدة لإبرام اتفاقات تجارية أخرى، بما في ذلك اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ والتي انسحبت منها الولاياتالمتحدة، كما تواصل طوكيو أيضاً المضي قدماً في اتفاق الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة في آسيا والذي يضم الصين، وفي هذا الصدد أشاد رئيس الوزراء الياباني بالاتفاق مع الاتحاد الأوروبي والذي يصب في قلب سياساته الرامية إلى انتشال الاقتصاد الياباني من حالة الركود واستعادة مساره الموجه للتصدير. ويخلص التقرير إلى أن الاتفاق يمثل دليلاً قوياً على أن الإقبال العالمي على صفقات التجارة خارج الولاياتالمتحدة لا يزال قوياً، وبمعنى آخر فإن التجارة الدولية لا تبدأ وتنتهي مع الولاياتالمتحدة فقط، فهناك بالفعل بلدان أخرى في العالم تقوم بالتجارة مع بعضها البعض. ويقر التقرير بأن التعريفات لم تعد تشكل التهديد الذي كانت عليه في الماضي، ويعود ذلك جزئياً لمرونة الأعمال التجارية وقدرتها على التكيف. ويقول «ايفو بيزوتو» أستاذ الاقتصاد العالمي في المدرسة الدولية للإدارة في باريس: إن الشركات في عالم اليوم يمكن أن تعيد بسرعة تشكيل أعمالها وسلاسل القيمة الخاصة بها على الصعيد العالمي من أجل التحايل على التدابير الحمائية. وحتى في حالة نشوب حرب كاملة بالمعنى الكامل فإن التعريفات المتبادلة (على سبيل المثال بين الولاياتالمتحدةوالصين) من المرجح أن تؤدي إلى زيادة التجارة بين البلدان الأخرى، وبطبيعة الحال ستكون هناك تجارة شاملة بين البلدان التي دخلت في اتفاقيات جديدة مع بعضها البعض مثل الاتحاد الأوروبي واليابان.