عملت ميليشيا الحوثي الانقلابية -ذراع طهران في اليمن- على إعادة رسم خارطة القوى القبلية في مناطق الشمال وفق مشروعها الطامح إلى تسيد المشهد في الجزء الشمالي من اليمن وتمثيله كقوة سياسية وعسكرية وسلطة أمر واقع، ولكن سرعان ما انقلبت القبائل على المخطط الطائفي، برفض مشايخ صعدة للمشروع المستلب من ملالي إيران في البلاد. إطار قبلي وأسست الميليشيا إطارا قياديا قبليا فرضته كجناح آخر لها أسوة بالجناح العسكري والسياسي والأمني وكان الإعلان عن هذا التشكيل في نهاية 2012 وبداية 2013 وذلك ليكون ذراعا لها، مهمته إعادة تشكيل المجتمع اليمني وقياداته وارتباطاته ونسج المؤامرات لتفتيت بنية القبيلة بالتوازي مع النشاط ضد الدولة ومؤسساتها. هذا التشكيل أطلقت عليه الميليشيا اسم مجلس «التلاحم القبلي» وجعلت له أهدافا معلنة لا تخفي نيتها المبيتة، وكان ضمنها جمع القبائل والنخب في إطار يعمل على استعادة دور القبائل الإيجابي وإيجاد دولة ذات نظام شورى يحفظ للشعب حريته وكرامته وحقوقه، تعطي لهم دوراً فعالاً وإسهاماً واسعاً في جميع الميادين والصعد، فيما كان يعني ذلك أن الميليشيا الإيرانية كانت تتحدث عن دولة خاصة بها وقبيلة تابعة لها وهو ما حصل لاحقا من خلال الانقلاب واختطاف الدولة بعد عام ونصف فقط من إعلان التشكيل القبلي الجديد. تحرك الميليشيا وبدأت الميليشيا تحركاتها في أوساط القبائل بمجرد إعلانها الانقلاب والسيطرة على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014 بعد أن منحها الرئيس الراحل علي عبدالله صالح مساحة كافية بتطويع أبرز قادة القبائل لصالح مخططات الميليشيا الحوثية الساعية حينها إلى السيطرة على كامل اليمن بقوة الجيش والقبيلة التي ساهم صالح طيلة 33 عاما في نسج تحالفات معها على أسس مصلحية وامتيازات تفردت بها القبائل دون غيرها من مكونات المجتمع اليمني وقواه الاجتماعية والسياسية. كانت الميليشيا الطائفية تدرك منذ البداية أن القبائل اليمنية ببنيتها المتماسكة تشكل عائقا كبيرا أمام مشروعها الطائفي العقائدي ذي الأيدولوجيا المستوردة من حوزات إيران والمطعمة بمضمون يوظف الدين والمذهب لخدمة فارس، لذلك وضعت مهمة تفتيت مكوناتها وإعادة بناء منظومتها القيادية وزراعة أذرع قبلية ومشايخ يوالونها على رأس أولوياتها. رموز صعدة ومنذ حروبها الأولى مع الدولة استهدفت الميليشيا رموز قبائل صعدة وأبرز شخصياتها الاجتماعية الذين كان لهم موقف مساند للدولة في حروبها ضد التمرد الحوثي لتصل بعد ذلك إلى مرحلة سيطرتها الكاملة على محافظة صعدة في 2011 وتعلن إرساء نظامها الخاص بعيدا عن بنية المجتمع القبلية وشكل نظام الحكم في اليمن بطابعه المحلي القائم على انتخاب ممثلين للبلديات على مستوى كل محافظة ومديرية. ابتلعت الميليشيا صعدة بكل جغرافيتها التي كان فيها قرابة 7 ألوية عسكرية حينها كان الجميع متواطئا مع الحوثي سواء نظام صالح الذي كان يواجه احتجاجات شعبية واسعة أو جناح الثوار الذي شكلته أحزاب المعارضة، بل ذهب بعض قادة الثوار حينها إلى اعتبار سيطرة الحوثيين على صعدة عملية تحرير نفذتها قواتهم نكاية بصالح بينما كان الرئيس الراحل هو الآخر يدعم عبدالملك الحوثي كطرف معادٍ أيدولوجيا لحزب الإصلاح لإضعافهم لاحقا وهو ما حصل فعليا لينقض الحوثي على نظام صالح والثوار معا اللذين شكلا معا حكومة مشتركة بموجب تسوية خليجية لأزمة اليمن. طرد الشيوخ وقبل أن تجتاح الميليشيا صعدة وتفرض سيطرتها الكاملة عليها كانت قد طردت أبرز شيوخ القبائل المناهضين لها ممن وقفوا مع الدولة في الحروب ضد التمرد الحوثي وتفرض من يوالونها ليتحول أبرز شيوخها إما نازحين في صنعاء أو موالين للميليشيا بمشروعها الطائفي القادم من فارس. وكان أحد أبرز مشايخ اليمن الشيخ صغير بن عزيز نائب رئيس الأركان الحالي في جيش الشرعية هو أحد قادة القوات الخاصة التي كانت تحت قيادة نجل صالح، أحمد علي صالح وكان قد تعرض لهجوم حوثي انتهى بتفجير منزله في حرف سفيان الواقعة بين صعدة وعمران، ولم تقدم له قوات صالح ونجله حينها المساندة الكافية لينتقل ابن عزيز إلى صنعاء ويترك قبيلته الكبيرة تحت سيطرة الميليشيا الحوثية التي طوعتها وحولتها إلى رقم قبلي جديد يضاف إلى خزينتها. وبذلك خرجت الميليشيا من مربعات صعدة الجغرافية إلى عمران ليشكل هذا الاختراق بداية الحملة المسعورة للميليشيا الحوثية ضد القبيلة اليمنية وبنيتها ورمزيتها التاريخية كمكون مساند للدولة ومواجه للمشاريع التفكيكية القادمة من خارج الحدود. التلاحم القبلي كما أن من أهداف «التلاحم القبلي» الحوثي المعلن تحديث المؤسسة القضائية على أسس علمية ومهنية وجعلها مستقلة عن تدخل أي قوة وهو هدف يناقض مضمونه بحيث يجعل من كيان قبلي يشرف على مؤسسة القضاء وهي أعلى مؤسسة في بنية الدولة مع الرئاسة في حين يتحدث الإطار عن استقلالية المؤسسة القضائية. إضافة إلى هدف آخر هو العمل على بناء المؤسسة العسكرية على أسس منتجة ومستقلة، مهمتها حماية الشعب وسيادته، لا تتدخل في أي نزاع داخلي تحت أي مبرر، غير أن ما حصل لاحقا هو استخدام الجيش والمؤسسة العسكرية لصالح هذه الميليشيا وضد الشعب والقوى السياسية وكل مكونات المجتمع حتى تلك التي تحالفت مع الحوثي في بداية انقلابه. إلى جانب ذلك، وسع التشكيل اهتماماته ليصل إلى حد الإشراف على مشاريع البيئة والشباب والتراث والمرأة وصولا إلى تحرير وسائل الإعلام من التبعية وهي أهداف حددت نوايا الميليشيا منذ البداية من خلال جعل أجنحتها ذات سلطة مطلقة وغير مقيدة تستخدم أدوات الجيش والأمن والقبيلة في القمع. تشكيل مسار وشكلت المرحلة الثانية من تحرك الميليشيا الانقلابية تحولا مهما في مسار الأحداث في اليمن لصالح المشروع الإيراني الذي استفاد من حال الصراع التي كانت موجودة بين طرفي المبادرة الخليجية حزب صالح وبقايا نظامه وتيار الثورة الشبابية وحلفائها القبليين والعسكريين. وكان الهدف الإستراتيجي للمشروع الإيراني الحوثي هو إزاحة المكونات القبلية الفاعلة في المشهد العام للبلاد وإنهاء دور رموزها من خلال كسر شوكتهم وطردهم من مناطقهم وهو ما حدث لأبناء الشيخ عبدالله الأحمر، شيوخ «حاشد» أهم قبائل اليمن، ليطرد بعضهم فيما أبقى على أكبرهم صادق الأحمر إضافة لنائب رئيس البرلمان في وضع أشبه بالإقامة الجبرية داخل منازلهم في صنعاء. معقل «حاشد» وتحركت آلة الحرب الحوثية نحو معقل شيوخ «حاشد» واقتحمت مساكنهم وأملاكهم وفجرت منازلهم بعد نهبها بجانب المزارع، وذلك في تصرف يهدف إلى رسم صورة مهينة لقبيلة كانت هي صاحبة القرار الأول في البلاد منذ عقود من الزمن بوجود شيخ عموم قبائل اليمن عبدالله الأحمر على رأسها وبعده أولاده صادق وحمير وحسين والسياسي ورجل الأعمال حميد الأحمر. وساهم صالح في تسهيل مهمة الميليشيا من خلال دفع المشايخ التابعين له في «حاشد» إلى عدم مساندة آل الأحمر في مواجهة ميليشيا الحوثي، وكان من بين هؤلاء الشيخ مبخوت المشرقي الذي يرتبط بعلاقة مصاهرة مع صالح والذي اقتحم الانقلابيون منزله وفجروه واعتقلوه أثناء مواجهات صالح والحوثيين في ديسمبر 2017؛ لتكمل الميليشيا مشروعها في السيطرة على القرار القبلي وإزاحة الرموز القبلية النافذة. اغتيال صالح وبعد اغتيال صالح غدرا واعتقال أعداد كبيرة من قيادات حزبه من شيوخ قبليين وضباط، وجدت الميليشيا نفسها في مواجهة نضوب مخزونها البشري القبلي للتحشيد وهو ما اتكأت عليه طيلة ثلاثة أعوام من حربها، وبذلك لم تعد أذرع إيران قادرة على استقطاب مقاتلين جدد. وبعدها عولت الميليشيا على استخدام سياسات الترهيب، لكنها لم تفلح، وكان رد المشايخ على الحوثي: لم تعد تمتلك السلطة على القبائل. هذا الأمر جعل الميليشيا تدفع بمقاتلين من جناحها العسكري، غير أن العددية المنضوية تحت لوائهم لم تكن تؤمن بمنهج الحوثي رغم انتسابها إليه عقائديا، لتبدأ الدائرة تضيق في ظل الانهزام والتقهقر الدائم لعناصرهم مع دخول قوات التحالف العربي للمعركة. قنوات تواصل وعملا بمعرفة ودراية التحالف للمكون اليمني بحكم المحيط الشامل للدول المؤسسة والمشتركة لاستعادة شرعية البلاد، فتح التحالف قنوات تواصل مع الرموز القبلية والمشايخ، ليتكشف لهم مآرب وأهداف الحوثي ونواياه في اختطاف البلاد ووضعها لقمة سائغة بين يدي ملالي إيران، لينحوا صفا مع التحالف والشرعية ويتم تحييدهم في الحرب وليبقوا في مناطقهم، ليبدأ الترتيب في كيفية مشاركتهم في طرد الميليشيا وفقا للوضع الميداني، وهو ما حدث تماما بمحافظة البيضاء. إذا بعد سنوات من العمل والتمويل والبناء الهيكلي والتخطيط وجد الملالي أنفسهم ملاحقين بهزائم في كل المحافظات اليمنية، حيث فشلت مشاريعهم، ولم تكن تلك السقطات العسكرية أقل وقعا على مسامع خامنئي وحرسه من نسف مشروعهم الطائفي أمام حائط جغرافيا القبيلة اليمنية والساحل الغربي للبلاد، وهو ما سنتناوله في تقرير منفرد مقبل.