نقف وقفة تأمل قليلا وننفرد بأنفسنا لمدة نصف ساعة نسترجع فيها شيئا من الذاكرة، لربما وجدنا بعض الأخطاء التي ارتكبناها في حق أنفسنا أو غيرنا بل أجزم اننا فعلناها وأخطأنا كثيرا. يجب ان نعترف اننا لسنا ملائكة والخطأ وارد في حياتنا اليومية، لكن ما أقصده هنا ليس الخطأ نفسه بل التسامح والصفاء. (المسامح كريم) جمله اعتدنا على سماعها دائما لكن البعض وليس الكل لا يعي مفهوم هذه الكلمات. حينما نسامح من أخطأ في حقنا اذن بالمعنى المحسوس أن نتعايش معه ونضمن العدل وعدم التمييز وقلة الغفران، أن تقتل هذه الكراهية الشديدة التي تدعو الى التشتت والانفلات. اعلم جيدا ان التسامح دائما ما هو الا سذاجة وقلة احترام للطرف المتسامح، وقد نختلف وتكبر شجاراتنا وقتها فيكبر الخلاف مولدا حقدا دفينا لا ينتج عنه الا ضغائن مكنونة، لكن الله وضع في قلب كل بني آدم (الرحمة) التي تطفئ كل نار مشتعلة بداخلنا. حتما ستكون هزيمة النفس خاسرة لو قاومت كبرياءك هذا ولم تصفح. لنكن على قناعة تامة وقدر كبير من الاستيعاب التام ان الأشياء السيئة قد تؤلم حقا لكن انتزاعها من دواخلنا ما هو الا أمان لنا! لنر بقلوبنا وليس بأعيننا ها هو صلاح الدين الأيوبي قد خاض حروبا مع الإفرنجة واتخذ الفيلسوف اليهودي موسى بن ميمون طبيبا له واعطاه مكانة عالية من الاحترام في حين انه لم يحظ بأرباع هذا التسامح عند الظلم الأوروبي. ويكفي ان سيدنا الحبيب المصطفى محمد عليه الصلاة والسلام حينما افتقد جاره اليهودي بادر بالزيارة والسؤال عنه على الرغم من الخلاف والكره الذي تلقاه نبينا منه. لا بد من الإثمار يوما حتى وان كان كل منا يدرك فداحة خطأ الآخر. ولأنني لا أتقن لغة التسامح بالكلام بل أجيدها بالافعال، ادرك جيدا ان نهاية كل حكاية سعيدة كأن مصدرها قبول السلام جميعنا على الأقل يعرف (إيفا كور) التي اعتقلت هي وأختها التوأم في معكسرات الاعتقال النازية وتعتبر الناجية من ضمن 1500 قتيل، فقد كانت مجبرة على الخضوع للتجارب الطبية المروعة التي كان يجريها الطبيب (جوزيف مينغيل) الملقب بملك الموت آنذاك. وبعد عقود من الزمن تلقت رسالة على بريدها الالكتروني من حفيد الدكتور يعبر فيه عن اشمئزازه مما فعله جده، ويطلب منها بكل فخر ان تكون جدته بالتبني وتصفح وتعفو عن أفعال جده، وافقت إيفا بكل سعة رحب وتسامحت مع كل من جرحها وشتت عائلتها التي لم تلتق بها منذ ذاك الحين..! من نحن يا بني البشر الذين لا تشملنا عظمة المعجزات ولا حروب وانتصارات اذا لم نسامح.. نصفح.. نعف.. ننس.. حتما ستكون هذه الحرب باردة لو قاومناها الى النهاية.. ولن يكون هناك خاسر أو منتصر.