العلاقات العربية الإيرانية ليست جيدة، بل في اسوأ حالاتها، الصورة العامة التي يحاول البعض التركيز عليها لهذه العلاقات المساران السعودي والإيراني، وهذا في شكله العام صحيح ولكنه يغفل حقائق أخرى أهمها أن العلاقات الإيرانية مع المحيطين الخليجي، والعربي هي أيضا في درجة متدنية. إيران الثورة، في مسيرة علاقاتها بمنطقة الخليج العربي، أي دول مجلس التعاون الخليجي حتى قبل قيام المجلس بُنيت على مجموعة عناصر، شيء من هذه العناصر أبرزته السلوكيات السياسية والعسكرية والثقافية الإيرانية، والأمر الآخر من تلك العناصر برز او تجلى بوضوح في السلوكيات وردود الأفعال الخليجية. وللتوضيح يمكن التقرير أن إيران أظهرت أبرز عنصرين في سياستها تجاه جيرانها العرب المسلمين، الأول، الاستعلاء من منطلقات تاريخية، وعرقية، وأيدلوجية على عرب الخليج، والابتعاد عن النظر إلى هذه المنظومة حتى بعد قيام مجلس التعاون الخليجي على أنها وحدات سياسية كاملة السيادة وأن لها القدرة على إدارة شؤونها واستعادة أراضيها المحتلة، وإدارة المكون البشري الوطني بغض النظر عن انتماءاته الثقافية. العنصر الآخر السعي بدون مواربة إلى تأكيد أحقيتها كثورة في تلبية مطالب بشرية وإنسانية لدى المجموع البشري في البلدان الخليجية بالدرجة الأولى وذلك من خلال الإعلان ونصوص دستورية حمايتها لمكون ثقافي، محدد، ومنح ذلك المكون الحق في طلب الحماية واللجوء لثورة الحق والخير والجمال. هذه الصورة هي الانعكاس الرقيق لتصدير الثورة ذهنيا. ولكسب الولاءات البشرية التي شوهت على مدى أربعة عقود. لتحل وبفضل الثورة الإيرانية العقائدي والطائفي مكان الوطني. أما من الجانب العربي، في مواجهة تلك السلوكيات الإيرانية فكانت ردات الفعل في غير مستوى واحد، وكانت تتخذ بطريقة تخلو من التنسيق الجماعي حتى بعد قيام المجلس، وربما إلى اليوم. الملاحظ أن هناك تهوينا لخطورة السلوك الإيراني الثوري منذ البداية، وكانت درجات ردة الفعل دائما متفاوتة من اقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ونمطية العلاقات الإيرانية الخليجية اليوم نموذج لما اود تبيانه، فهناك علاقات مقطوعة تماما، وحالة أقرب ما تكون إلى إعلان الحرب بين السعودية وإيران، وهناك موقف قريب من ذلك لمملكة البحرين، ولدولة الامارات العربية المتحدة. في الوقت الذي يبدأ التدرج في حدة المواقف من أطراف مثل الكويت، التي تدرك خطورة ما يحدث، وتدرك ايضاً صعوبة اتخاذ القرار الذي يجب. وهناك عمان التي تنحى إلى حالة أكثر تعايشية مع ايران رغم كل ما يعرف من سلوكياتها الثورية والتخريبية، وهناك موقف الاشقاء في الدوحة الذي لا يخفى على أحد والذي يمثل درجة غير مسبوقة من التقارب، والانحياز للفعل السياسي الإيراني في المنطقة والاقليم بدون مواربات لا سياسية ولا إعلامية. هذه المقدمة الطويلة نسبيا متعمدة للعودة إلى حقيقة العلاقات مع الجارة إيران، خاصة بعد أن عادت إلى السطح أحاديث عن صدور أحكام على خلية إيرانية جلبت كما مهولا من السلاح والمتفجرات والعتاد العسكري إلى قطر خليجي شقيق، وتم تخزينها في مزارع ومنازل منذ العام 2015م وأحدثت تلك الأنباء هزات في المجتمع الخليجي بأكمله، على المستويات الداخلية الوطنية وعلى نمطية الحياة السياسية وتركيبة المجتمع، سواء في الدولة الخليجية المعنية، أو في الأقطار الأخرى. الأكيد الذي تمخض عن التحقيقات أن هذه الخلية واحدة من خلايا منتشرة في أقطار الخليج، تسليح وتوجيه إيراني، وتدريب عسكري وعقائدي لحزب الله، الذي فرخ أحزابا مشابهة في كل قطر خليجي، عمل هذه الخلايا سواء المكتشف منها، أو مازال في حالة كمون، تجميع الأسلحة لاستخدامها في ساعة الصفر التي تقررها إيران. وساعة الصفر حسب التعريفات العسكرية الرصينة تعرف ب «الساعة التي من المقرر أن تبدأ فيها عملية عسكرية مخططة» أو «وقت يجب أن يتخذ فيه قرار حيوي أو تغيير حاسم».