شرح الباحث السياسي ورئيس مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية، محمد السلمي، طبيعة العلاقات بين السعودية وإيران وأسباب "العزلة التاريخية" التي تشهدها الدولة، منتقدا ما وصفه ب"استغلال طهران حسن نوايا الدول العربية لزرع الخلايا النائمة في المنطقة"، ومعلقا على "فشلها بمساعدة رئيس النظام السوري بشار الأسد،" في مقال له، نُشر الأحد. وأضاف السلمي في مقاله بجريدة الوطن، والذي نشره عبر حسابه في تويتر: "مع انتصار الثورة (الإسلامية الإيرانية) رحبت دول المنطقة وعلى رأسها السعودية بالنظام الجديد في إيران لا سيما أنه يرفع شعار الوحدة الإسلامية، والتعاطي البناء مع دول الجوار، والتقارب المذهبي، وتجاوز الخلافات، إلا أن هذه الشعارات الجميلة والبراقة ما لبثت أن تبددت قبل أن تستوعبها العقول والأفئدة. ولقد شهدت المنطقة حرب الثماني سنوات بين العراقوإيران، وقد انعكست هذه الحرب أيضًا على طبيعة العلاقات بين ضفتي الخليج العربي، وأصبح استدعاء التاريخ وبخاصة من الجانب الإيراني جزءًا من الخطاب الإعلامي والسياسي والأيديولوجي المتكرر طيلة العقود الثلاثة الماضية." وتابع السلمي: "من الأهمية الاعتراف بأن النظام الإيراني استغل، ولا أقول: استثمر، حسن النوايا لدول المنطقة، ورغبتها في الخروج من الخلافات مع الدول ليروج لمزاعم تغير التوجهات السياسية للنخبة الحاكمة في طهران، ورغبتها في فتح صفحة جديدة مع دول المنطقة، وتجاوز خلافات الماضي، والتطلع إلى مستقبل أفضل للمنطقة وللعلاقات الثنائية بين إيران ودول الجوار العربي." واستطرد السلمي بأنه رغم "التحسن الملحوظ" الذي شهدته العلاقات الإيراني-العربية خلال الفترة ما بين عامي 1999 و2005، "إلا أن إيران وظفت هذه السنوات لزرع المراكز الثقافية والتجنيد وشراء الولاءات، وبالتالي كونت لها خلايا نائمة ونشطة في دول المنطقة. ولا ينبغي أيضا تجاهل أنه خلال حقبة ما تسمى بالإصلاحات في إيران تعاونت طهران مع القوى الغربية على إسقاط النظامين السياسيين الحاكمين في أفغانستانوالعراق، واعترف محمد أبطحي، نائب الرئيس الإيراني للشؤون القانونية بذلك صراحة، إذ قال: 'لولا إيران لما سقطت كابول وبغداد‘." ويذكر السلمي أن إيران صعّدت من تدخلاتها في المنطقة، قائلا إن "الثلاث سنوات الماضية شهدت تدخلات عسكرية إيرانية مباشرة في الداخل العربي عبر إرسال المقاتلين من الحرس الثوري والميليشيات الشيعية المستوردة من العراق ولبنان وباكستان وأفغانستان، والدفع بهم في الحرب السورية بهدف ترجيح كفة نظام بشار الأسد في المعركة القائمة." وأضاف المحلل السياسي: "ومع ذلك كله أخفقت طهران على مستويين رئيسيين: أولهما عسكري وهو مساعدة نظام بشار على إحكام قبضته وبسط سيطرته وإخماد الثورة، وثانيهما سياسي ودبلوماسي يتمثل في انكشاف الأهداف الإيرانية أمام الحكومات والشعوب العربية، الأمر الذي قاد إلى عزلة سياسية إيرانية لم تشهد إيران لها مثيلًا في تاريخها الحديث، إذ قامت العديد من الدول العربية والإسلامية إما بقطع علاقاتها مع طهران أو تخفيض التمثيل الدبلوماسي معها." وقال السلمي إن "المسؤولين السعوديين كرروا جملة واحدة في عدة مناسبات وهي نريد من إيران أن تتحول من الأقوال إلى الأفعال، بعبارة أخرى، تريد الرياض من طهران أن تتصرف كدولة وليس ثورة طائفية يسعى الساسة هناك إلى تصديرها إلى دول المنطقة، وتريد من طهران أن توقف دعمها للإرهاب في الداخل الخليجي والعربي، وتريد من طهران أن تتوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، وتتوقف عن زرع الخلايا التجسسية وتهريب الأسلحة والعزف على الوتر الطائفي." وأضاف السلمي: "أما طهران فما زالت تنكر كل ذلك، وتزعم أن هناك نفوذًا وليس تدخلًا إيرانيًّا في تلك الدول، وشتان بين هذا وذاك، وهذا يعني أن النخبة الحاكمة في طهران لم تدرك جدية الموقف السعودي ولا حقيقة حزم الرياض في المرحلة الحالية. تحاول طهران أن تنعّم لغتها وتنحني أحيانًا للعاصفة، لكنّ السعوديين أصبحوا يفهمون إيران أكثر من أي وقت مضى، ومن هنا على طهران المتميزة في اللعب على رقعة الشطرنج أن تعيد حسابات خطواتها واستراتيجية تحريك أحجارها على خريطة المنطقة، لأن التمادي في تجاهل الواقع قد يكلف النظام الإيراني الكثير على عدة أصعدة."