في مثل هذا اليوم الاسبوع القادم سنكون قد أتممنا صيام شهر رمضان المبارك الذي أسأل الله عز وجل أن يتقبله منا جميعا، واكاد اجزم ان الكثير سيستفتح العيد ببيت المتنبي المشهور: «عيد بأية حال عدت يا عيد»، في كل مرة أصادف هذا البيت في ليلة العيد في منصات التدوين المختلفة اصاب بالاكتئاب مثلي مثل غيري من الناس. هذا البيت رغم بلاغته وصحة الاستشهاد به في كل عيد اعتقد انه في طريقه الى ترسيخ عقدة نفسية جديدة في المجتمع العربي على الاقل، عقدة تضاف الى عقدة ضياع الاندلس وعقدة الصعود إلى القمر وما بينهما من عقد وما تلاها من مصائب، وكما قلت الاستشهاد بالبيت في مكانه تماما، ولكن كون اننا نحبس انفسنا في الماضي ولا نرتجي أي تجديد ان يحدث فهذا مدعاة إلى الاكتئاب. انا لن أعظ القارئ او اوجهه الى كيف يجب أن يقضي أيام العيد ولكني اريد ان اشاركه وجهة نظر، كما اني لا اريد ان اذكر ديباجة في طريقها الى الاستهلاك بأن يستمتع بوقته مع اسرته مستغلا كل الفعاليات الترفيهية المنظمة في أرجاء البلاد. يمكننا النظر إلى الاسباب الكثيرة التي تستدعي الاستشهاد ببيت المتنبي بعين العطف، لأن حال الأمة لم يتغير ولم يتبدل ولكن إن تعمقت في هذه العبارة قليلا فقط وحاولت معرفة ما يقصده كل منا - بالأمة - أو ماذا يقصد بأحوالها لوجدت اختلافا كثيرا، لكن رغم هذا الاختلاف هناك أمر مؤكد من قِبل الكل وهو ان الكل يريد التجديد وهذا متفق عليه -الي حد ما-. ومن مظاهر التجديد في رأيي هو التوقف عن الاستشهاد ببيت المتنبي قبيل العيد وخلال أيامه القصيرة، فالتذمر وندب الحظ من الشيم المقيتة، وخاصة في ايام المراد فيها السعادة وبث الروح الطيبة، ولكن هناك جانبا آخر في العيد لا يراه الكثير منا، ومن يراه هم نزلاء في المستشفيات او السجون، كما ان هناك بيوتا فقدت احبابا قبيل العيد بأيام، وغيرهم من الناس الذين يتسترون على ظروف خاصة يكابدونها بكل ما أوتوا من قوة، ولا نستثني ارباب الاسر الذين يعانون الفاقة، ولكن اليوم عيد فما العمل؟ يمكننا أن نجدد في هذه الأمة روح التآلف والتآزر بحيث ان نذكر هؤلاء بالطريقة المناسبة، فالمريض يعلم علم يقين أن شفاءه ليس بيدك ولكن زيارتك وسؤالك ومواساتك له ستعني له الكثير، كذلك المسجون يعلم ان فك سجنه يوم العيد ليس بيدك ولكن ان تذكره بالزيارة ستعني له الكثير، وحدث ولا حرج في شأن الأيتام الذين لا يعلم الكثير منا مكان دورهم من حولنا ناهيك عن زيارتها، ودور المسنين التي تصيبك غصة في البلعوم حين تستشعر ان بعض نزلائها لديهم ابناء زهدوا فيهم حتى في يوم العيد. من مظاهر التجديد التي نملكها وهي في متناول ايدينا ان نضاعف الزيارات بيننا، هناك فئات مختلفة في مجتمعنا، ما المانع أن يتزاور كل منها في يوم العيد؟ ولو بادئ ذي بدئ على مستوى النخب، واقصد هنا الزيارة المتبادلة في المنزل أو المجلس الرسمي، فقط لقول: «كل عام وانتم بخير» وترك الأثر الطيب في نفس الآخر، الى هذا الحد أعتقد اني اسهبت في الكلام العاطفي، سأتوقف هنا. النخب تقع على كاهلها مسؤولية كبيرة لتجديد الأفكار والتوجهات القديمة، والعيد مناسبة ممتازة لكي يلتقي النخب في أي مجتمع لكي يفتحوا الصفحة الجديدة ان كان هناك حاجة لذلك، كما انهم بحاجة لأن يظهروا للمجتمع أن آافاقهم قد اتسعت وأصبحوا ينظرون الى فئات المجتمع المختلفة وليسوا معنيين بفئة معينة.