على مشارف وداع شهر الرحمة والمغفرة تتوق النفس لأجواء هذا الشهر الروحانية، الذي يعيش المسلمون لياليه منصرفين إلى عبادة ربهم طالبين عفوه وغفرانه حيث يتسابق من أراد الله لهم المغفرة إلى فعل الخيرات وأداء العبادات في موسم خير تضاعف فيه الحسنات وتمحى فيه السيئات.. كما تعود النفس لذكريات هذا الشهر وأخلاقياته التي اعتادت عليها الأجيال، وخاصة صلة الأرحام والمعارف والجيران وما رافق ذلك من عادات تتجلى فيها الأخوة بأجمل معانيها فيتبادل الناس الدعوات لتناول طعام الإفطار أو (الغبوق)، واجتماع الأحباب على هذه الموائد التي يكون الحديث حولها ألذ وأشهى من الطعام على حاجة الناس إليه في رمضان، ثم أستذكر كيف كان الناس يبادرون لتجاوز الأخطاء مجسدين الأخلاق الإسلامية الرفيعة.. أستذكر ذلك كله وأنظر بألم إلى ما نحن فيه اليوم من انشغال البعض حتى عن العبادات وضعف الإقبال على ما اعتدنا عليه من التواصل في رمضان إلا من رحم ربي، وفي مقابل ذلك النسبة الأقل التي ما زالت تحافظ على روح رمضان وعادات الآباء والأجداد فيه.. كم نحن بحاجة إلى العودة إلى تلك الروح.. إلى تلك المجالس.. إلى تلك اللقاءات.. ولو تذكر كل منا، بل وذكر أبناءه بضيق العيش الذي كان الأجداد يعيشونه خاصة في أيام الصيام حيث لا ماء بارد ولا تعدد أنواع الطعام ولا مكيفات ولا.. ولا.. ومع ذلك فإن الناس يقبلون على الصيام برضا مستبشرين بالرحمة والأجر والثواب، وهم ينتظرون رمضان من العام إلى العام كما ينتظر الفلاح موسم الحصاد بسعادة وسرور.. يا الله! كم نحن في نعمة لا يعرف البعض عظمتها لأنهم لم يعيشوا الأيام القاسية التي عاشها من قبلهم.. فهل تشهد العشر الأواخر من الشهر مسارعة من فاته التواصل مع أرحامه وجيرانه، وقبل ذلك من فاتته لحظات لم يتواصل فيها مع خالقه أو فاتته عبادة أو طاعة.. وهل نصف لأبنائنا الذين يعيشون في فضل من الله ونعمة حال أجدادنا قبلنا وكيف كانوا يصبرون على الحر والجوع والعطش طمعا في مرضات الله ومغفرته، لا سيما وأن في هذه الليالي ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.. ولنتذكر أيضا عادات التواصل أيام العيد والمبادرة إلى زيارة الأرحام والسؤال عنهم، وكذلك حاجة الفقراء والأيتام والمعوزين أيام العيد والفرحة التي من حقهم أن يحيوها كغيرهم من عباد الله، ولنقدم لهم زكاة الفطر والصدقة، أما الأخوة والأخوات والآباء والأمهات فلنعطهم من خالص أموالنا لتزداد المحبة، فالصدقة للأرحام صدقة وصلة.. ما زال في أمتنا ومجتمعنا خير كثير وخيرون أكثر ونعم الله على عباده أكثر وأكثر.. وكما قال المصطفى صلوات الله وسلامه عليه:«الخير في وفي أمتي إلى يوم الدين».