يبحث عن المشاعر، عن دفء العواطف. يبحث عن الأمان، عن الراحة والاطمئنان،، عن الحنان، عن غذاء الروح خاصة في زمن الجفاف، زمن الماديات وسراب العواطف. من المزعج أن نتعايش مع واقع جفت منابعه وتحولت لصحراء جرداء خالية من إكسير الحياة، أكوام من أوراق شاحبة جفت أشجارها، وألواح خشبية كانت في الماضي لإنسانية نابضة تحولت لجماد وفقدت مرونة عواطفها فاستحال معها الاحتواء والتعاطف الفطري للأقرباء. شحت المشاعر وغاصت حتى النخاع في بحور الماديات فعجزت عن معرفة الأولويات، طفولة بريئة في بعض الأسر يفترض أن تُسقى بالحب وترويها العواطف، تعيش تحت خط الفقر العاطفي بالرغم من توافر كل احتياجات الحياة العصرية وكمالياتها لدرجة البذخ والإسراف، فقدت الشعور بوجودها كإنسان حي يتغذى بحرارة الحب وشمسه المشرقة الدافئة، ويستنشق هواءه العليل، الحب النقي الخالص مصدر للبقاء الحقيقي في عالم الأحياء. إن نعش في دروب قاحلة ظمأى فمنتهى الغباء وإن نظل نبكي على الأطلال فمنتهى الحماقة. لا يأس مع الحياة، نستطيع زرع السعادة في كل مكان، ننثر بذور الأمل فيثمر إيمانا صادقا، وأمانا ونورا وثقة وقوة فتتكون بقدرة الله، في أرض الله حدائق غناء من واقع حميم، تسير فيها جداول حبٍ سلسبيلٍ يسقي القلوب فتنهل منه عطاء من الله ونعمة ما شاءت وكيف شاءت. من غير المستحيل، ومن الطبيعي جدا، خلق مسافات في الأرض ذاتها تصنعها أيدينا، تحفر الأنهار وتتركها تجري في الأراضي العطشى تحت ظلال المحبة الصافية النابعة من أعماقنا، نساعد بها غيرنا ممن جفت عواطفهم سواء كنا أنصافا مشاركة في الحياة متممة للآخر، أو آباء أبناؤهم ماتت عواطفهم وتخلى عنهم أولادهم في مرحلة ضعفهم وشيخوختهم حيث يكون حب الأبناء طعامهم الوحيد والحنان الماء الذي يرويهم، فئة قليلة في المجتمع ولا أعمم، ولأن الله لطيف بعباده احتضنتهم دور العجزة والمسنين مشكورة وشملتهم برعايتها واهتمامها. للجميع أقول: لا يأس مع الحياة، نستطيع زرع السعادة في كل مكان، صحراء الأمس جنة اليوم وسعادتنا نعيشها لحظة بلحظة ومع ضوء كل صباح جديد يشرق، الحياة باختصار شروق شمس وغروبها، فما أجمل أن نجعل الشروق للبسمة والعمل والغروب للراحة والهدوء. شيئان في حياة الإنسان لا ثالث لهما: إما أن تكون متفائلا دوما، وإما أن تكون متشائما، لك الخيار، أنت من تسعد نفسك أو تشقيها. لم يخلقنا الله لنيأس فلنثق بربنا «قُل يا عِبادِي الذِين أسرفُوا علىٰ أنفُسِهِم لا تقنطُوا مِن رحمةِ اللهِ». نبي الله يعقوب عليه السلام لم ينسه حزنه بفقد يوسف عليه السلام لثقته الكبيرة بربه «يا بنِي اذهبُوا فتحسسُوا مِن يُوسُف وأخِيهِ ولا تيأسُوا مِن روحِ اللهِ». الرجاء بسمة على ثغر الأمل ينعشها الندى فتبتسم ونبتسم بالسعادة ويبتسم لنا الحظ ويبتسم الآخرون معنا. وكما قيل: إذا ضاع الأمس فبين أيدينا اليوم، وإذا اليوم سوف يجمع أوراقه ويرحل، فلدينا الغد، فلا نحزن على الأمس فهو لن يعود، ولا نأسف على اليوم، فهو راحل، ولنحلم بشمس مضيئة لغدٍ جميل، الحياة مليئة بالمفاجآت السارة وإن تأخرت، وبالحب نصنع المعجزات.