كلنا يبحث عن المشاعر، عن دفء العواطف، يبحث عن الأمان، عن الراحة والاطمئنان، عن المودة الصادقة، عن الصداقة الحقيقية، عن الحنان، عن غذاء الروح، خاصة في زمن الجفاف، زمن الماديات وسراب العواطف. من المزعج أن يعيش بعض منا في هذه الحياة مع واقع جفت منابعه وتحولت لصحراء جرداء خالية من إكسير الحياة، أكوام من أوراق شاحبة جفت أشجارها، وألواح خشبية كانت في الماضي إنسانية نابضة تحولت لألواح وفقدت مرونة عواطفها، فاستحال معها الاحتواء والتعاطف الفطري للقريب والصديق والغريب. شحت المشاعر وغاصت حتى النخاع في بحور الماديات فعجزت عن معرفة الأولويات، طفولة بريئة صادفتها يفترض أن تُسقى بالحب ويربيها الإحساس، تعيش تحت خط الفقر العاطفي بالرغم من توافر كل احتياجات الحياة العصرية وكمالياتها لدرجة البذخ والإسراف، فقدت الشعور بوجودها كإنسان حي يتغذى بحرارة الحب وشمسه المشرقة ويستنشق هواءه العليل. الحب النقي الخالص مصدر للبقاء الحقيقي في عالم الأحياء. إن نعش في أرض قاحلة ظمأى فمنتهى الغباء، وإن نظل نبكي على الأطلال فمنتهى الحماقة. من الطبيعي خلق موطن في الأرض ذاتها تصنعه أيدينا تحفر الأنهار وتتركها تجري في الأرض العطشى تحت ظلال المحبة الصافية النابعة من أعماقنا نساعد بها غيرنا ممن جفت عواطفهم سواء كنا أنصافاً مشاركة في الحياة متممة للآخر، أم أمهات ثكلى، أبناؤهن قضوا عاطفياً فتخلوا عن والديهم في مرحلة ضعفهم الإنساني وشيخوختهم، وكان الجزاء دور العجزة والمسنين، مشكورة تلك التي تفعل كل ما في وسعها لراحتهم إلاّ أن الراحة في نظر الكبار في بيوتهم ومع أبنائهم وأقربائهم. الحياة مستمرة وبأيدينا جميعاً زرع الحدائق بالأمل ليثمر ويصبح واقعاً.