الصدق أسمى صفات الإنسانية وأهم عامل لبناء العلاقات، فمنه ستنبع الثقه والأمان، خلافا للكذب الذي غير انه حرام فهو مناف اخلاقيا ومؤثر قوي في صحة العلاقات، وقد يؤدي الى هلاكها، لكن عندما تتغير فلسفة بعض الاشخاص ليتكون عندهم مصطلح اسمه (صراحة) يشكلونه بشكل يسقط معه حرف الصاد والراء ليتحول بقدرة قادر (وقاحة) او فظاظة، وربما عجرفة وعيب يحتاج إلى التخلص منه. وكم واجهت في حياتي مواقف أثبتت لي ان الصراحة قد تكون مؤذية جدا إذا لم يستطع صاحبها أن يتفوه بها بشكل اخلاقي لانها قد تجرح مشاعرنا. وهذا السبب الذي يجعلني لا أنسى موقف صديقتي عندما كنت في الجامعة: تساءلت الدكتورة عن تشابه اسمها باسم طالبة كانت إحدى تلميذاتها في السنوات السابقة لتخبرها صديقتي أنها أختها، شرعت الدكتورة عينيها 180 درجة ثم قالت «تمزحين»! أصبحت أنا وصديقتي ننظر الى بعضنا البعض بعلامة تعجب، لكن سُرعان ما تلاشت تلك العلامة عندما صعقتها قائلة، «ليش انتي مو حلوه وأختك حلوه» هل انتم من ام واحدة؟ احمر وجه صديقتي وكأنه تصاعد منه بخار كثيف.. لأرد عليها: نعم انهم اخوات من أب وأم. الشيء المحزن ان البعض يرى صراحته سمة فضيلة وكل أخطائه ليست سوى اخطاء كباقي البشر. متناسيا ان وقاحة الصراحة بطريقة مباشرة او باخرى قد تؤذي مشاعر المتلقي حتى وان كان عذرك «اللي بقلبي على لساني» يا ليت يبقى اللي على لسانك بقلبك دهرا لتكون في وضع مرضي عنه. فالفئة التي تدعي تلك المقولة في نظري لا يمتلكون ذرة من الذوق، وخصوصا عندما تكون صراحتهم مفرطة جاعلة الأشخاص ينفرون منهم ويعتبرونهم مصدرا للإزعاج. أنا لا أقمع تلك الصفة لأننا قد نقدم الصدق على العاطفة، لكن حبذا لو كانت ضمن حدود المعقول او بشكل يخدم مصلحة الآخرين على الحق، على أهمية أن تكون مصارحة الأفراد تدريجية ولا تسبب الإحراج له وعلى انفراد، حتى لا يؤثر ذلك سلبا على نفسيته. لا ضير لو أصبحنا دبلوماسيين في تعاملنا مع الآخرين ونحسب حسابا لمشاعرهم، ولا مانع ان تكون صريحا باسلوب مميز وباحترام وبدون تجريح، لان الصراحة بدون اسلوب يكون صعبا تقبلها وقد تبعد عنك الناس. احيانا نبقي آراءنا لانفسنا كي لا نؤذي مشاعر غيرنا، لذلك وجدنا خيطا رفيعا يجعلنا نميز بين الصراحة والوقاحة. أحيانا نجد أنفسنا نخفي أشياء ونكتم كلاما لنحتفظ بمن نحبهم ولكن ذلك لا يعني ان نكذب عليهم. فقط حاول ان تغتنم كل الحلول الوسط في تعاملك مع الناس حتى لا تصبح مصدر إزعاج للآخرين.