كأي مجتمع متنوع، تتشكل النخب الثقافية في المجتمع السعودي من جماعات تتبنى اتجاهات وأنماطا فكرية وثقافية مختلفة ومتعددة، بينها الكثير من المشتركات وبينها أيضا مناطق افتراق وتباين حول قضايا متعددة. ومن الطبيعي أيضا أن يتم التعبير عن اتجاهات كل جماعة ثقافية حسب مرئياتها ونظرتها لواقع المشهد الثقافي وتطلعاتها لتغييره واتجاهاته المستقبلية. ذلك يقود إلى تلاقح الأفكار والآراء ويساهم في تصحيح الرؤى وبلورة اتجاهات توافقية تجمع بين الأصلح لدى كل اتجاه ثقافي حتى تتكامل الرؤية وتعالج مختلف اشكالات الوضع من مختلف جوانبه. والسؤال هو هل نعيش حوارا نقديا صحيا وسليما بين النخب المثقفة في المجتمع، أم لا؟ يمكن القول بكل ثقة إن الحوار النقدي بين المثقفين غائب أو مغيّب، فلا توجد هناك قراءات نقدية موضوعية وعلمية للاتجاهات الفكرية والثقافية بالمستوى المطلوب لا من حيث الكم ولا الكيف. فبعض هذه القراءات تكون سطحية للغاية وغير متعمقة في فهم واستقراء مضامين أفكار الطرف المعني والاطلاع عليها ونقدها بموضوعية، كما أن الكثير من المنقولات الثقافية تتضمن هجوما غير مبرر للطرف الآخر بقصد الإثارة ورد الاعتبار للذات والنقد السلبي للآخر المختلف دون النظر أو البحث عن نقاط القوة لديه. ما يظهر إلى السطح في أحيان كثيرة هو حالة من التسرع في اطلاق الأحكام والإساءة الاسقاطية التي يعتبرها البعض نقدا، لكنها تخرج عن إطار النقد الموضوعي الذي يضيف فائدة ويراكم خبرة وثمرة للمتلقين. إن الحوار النقدي في الوسط الثقافي يعتبر ضرورة ملحة، وأن استخدام الأساليب والوسائل المناسبة والمفيدة هو ما يجعله مثمرا ونافعا للجميع. يخلص الباحثون في هذا المجال الى أن حالة الحوار النقدي بين الجماعات تتبلور بصورة أفضل وأكثر وضوحا في ظل الانفتاح السائد في المجتمع الذي يعطي مجالا وحرية للنقد والتعبير عن الرأي، وبالتالي تحدث تفاعلات إيجابية بينية من حالة الحوار النقدي بين مختلف الأطراف. الحوار النقدي يتطلب -إضافة للأرضية المناسبة- استعدادا وقبولا لدى مختلف الأطراف لسماع وجهات النظر وتقبل النقد والاستجابة له بصورة إيجابية وبناءة، فغرضه هو نبش نقاط الضعف والخلل والبحث عن المشتركات الجامعة التي تشكل أرضية للعمل والبناء الجمعي على الرغم من وجود الاختلافات. كي تنضج عملية الحوار النقدي بين النخب الثقافية، لا بد من وجود لقاءات متواصلة تهدف إلى قراءة الآخر بصورة صحيحة ودقيقة وتعميق الحوار بحيث يكون واضحا وصريحا ومقبولا بعيدا عن المجاملة والتزلف. ويمكن أن تساهم في ذلك مختلف منابرنا الثقافية والاعلامية والأكاديمية والبحثية للقيام بقراءات نقدية واعية لمختلف أشكال وأنماط الخطاب الثقافي السائد في المجتمع، كي تطور أسلوب الحوار النقدي وترفع من شأنه ودوره وموقعيته. كي تنضج عملية الحوار النقدي بين النخب الثقافية، لا بد من وجود لقاءات متواصلة تهدف إلى قراءة الآخر بصورة صحيحة ودقيقة وتعميق الحوار بحيث يكون واضحًا وصريحًا ومقبولًا. [email protected]