الاهتمام بثقافة العمل من المتطلبات الأساسية في برنامج التحول الوطني، بل ذلك عامل مهم في تأسيس قاعدة منهجية لكل ما يتعلق بقضايا العمل والإنتاج، ودون وعي كامل بمقتضيات البناء والنمو والتنمية والأساس الفكري للعملية الاقتصادية، فمن الصعب أن ترتفع العملية الإنتاجية إلى المستوى الطموح الذي نتطلع اليه، ما يجعل نشر ثقافة العمل من الأعمال الأساسية التي ينبغي أن تعمل بشأنها الجهات المعنية في وزارة العمل وصندوق تنمية الموارد البشرية والغرف التجارية وغيرها من المؤسسات والمنظمات المدنية. في دراسة بحثية بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، بعنوان (دور التنمية الثقافية في المملكة العربية السعودية في تعزيز الأمن الوطني) توصل الباحث إلى أن ثقافة العمل لدى المواطنين والتي تعتمد على الجهد القليل والدخل الكثير، وتفضيل العمل الحكومي المكتبي على المهن والحرف اليدوية تضعف الأمن الوطني، وإلى جانب ذلك فإن توجه أبناء الأرياف للمدن، وتفضيل الوظائف الحكومية ذات الطابع المكتبي والعوائد المادية المجزية، تسبب في ترك المهن الزراعية والحرف اليدوية للعمالة الوافدة وبرزت ظاهرة الاتكالية على الوافد في كثير من متطلبات الحياة. وذهب الباحث في دراسته إلى أن ضعف منظومة الأمن الوطني سببه تفضيل المجتمع المجالات النظرية على الطبيعية والتطبيقية في التعليم، والضعف في التدريب المهني، وعدم مواكبة مستجدات العصر في التعليم، وذلك يتطلب ضرورة تعزيز ثقافة العمل المنتج من خلال دعم خصخصة القطاع الحكومي وتطبيق معايير الأداء للموظف الحكومي لتعزيز قدراته والقضاء على البطالة المقنعة. أذكر أني في مقال سابق تطرقت إلى ضرورة التفكير في الإنتاج أكثر من الوظيفة، لأن النهضة الحقيقية تبدأ وتنتهي بالإنتاج، وليس من المعقول أن يعمل الجميع كموظفين، فأين يكون الإنتاج؟ البديل الطبيعي أن يعمل به الوافدون، وذلك ما تم السماح به فعلا، وتناولته الدراسة، وحينها يجب أن ننظر في الآثار السلبية لترك العملية الإنتاجية للوافدين والتزاحم على الوظائف لأنها سهلة ومضمونة الدخل، أو كما أشارت الدراسة، جهد قليل ودخل عال، وذلك لا يتفق بالتأكيد مع برنامج التحول الوطني الذي يعمل على استنهاض القدرات وتعزيز المحتوى المحلي بعمليات إنتاجية واسعة تسهم في الدخل الوطني، وذلك ما لا يمكن أن يتحقق إذ كان الجميع يبحثون عن الوظائف على حساب الإنتاج. [email protected]