ركزت أعمال الدورة العادية التاسعة والعشرين للقمة العربية بالظهران على نقاط حيوية تهم الأمة العربية في تحركها القادم، وقد أطلق خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- وهو يترأس هذه الدورة مسمى القدس عليها؛ نظير أولوية هذه القضية وأهمية بحثها كما جاء في كلمته الضافية، ولاشك أن هذه القمة تعتبر في جوهرها تحولًا نوعيًا يقتضي على زعماء الأمة الأخذ بمقتضياته وهم يعالجون أزمات المنطقة العالقة. العمل العربي المشترك أضحى ضرورة ملحة لمواجهة تلك الأزمات بمنتهى الحزم والعزم، فالأزمة السورية تهدد بكل تعقيداتها وتشابكاتها أمن العرب وسلامتهم وسيادتهم، وقد أفرز استمرارها عن تدخلات خطيرة في الشأن السوري، وأفرز طول أمدها عن تواجد تنظيمات إرهابية لا تهدد القطر السوري وحده وإنما تهدد دول المنطقة بأسرها، فالتنادي الجماعي لتسويتها يمثل توجهًا عربيًا ملحًا. من جانب آخر فان التدخل الإيراني السافر في شؤون بعض دول المنطقة يمثل هاجسًا للدول العربية، وهو تدخل مرفوض في جملته وتفصيله، فهو قائم على دعم التنظيمات الإرهابية في كل مكان، ومازال يستمرئ دعمه للميليشيات الحوثية في اليمن ويمدها بالصواريخ الباليستية التي توجهها تلك الميليشيات الإرهابية ضد مقدسات المسلمين وضد مدن المملكة بين حين وحين. وقد جاءت قمة الظهران الاستثنائية في ظروف صعبة وتحديات كبرى تواجه الأمة العربية، وقد ارتأت المملكة الدعوة لعقدها للنظر في حلحلة تلك الأزمات بعمل عربي مشترك يحول دون تمدد الأخطبوط الإرهابي في المنطقة، ويحول دون سريان إرهاب الدولة المتمثل في النظام الإيراني الدموي وهو يحاول بمنتهى اليأس والعبثية من خلال تدخلاته بسط هيمنته على دول المنطقة وتهديد استقرارها وأمنها وسيادتها لقيام امبراطوريته الفارسية المزعومة على أنقاض سلامة تلك الدول واستقلالها. كما أن العربدة الإسرائيلية وصلت إلى أفظع ممارساتها ومراحلها ضد الشعب الفلسطيني الذي لاتزال انتفاضته قائمة في وجه مغتصبيه لاسيما بعد قرار واشنطن نقل سفارتها إلى المدينة المقدسة، وقد أزف الوقت لتدخل دولي سريع لانقاذ القدس من براثن الصهاينة ووضع حد قاطع لعدوانهم والعمل على تسوية الأزمة القائمة وفقا للشرعية الدولية وقراراتها الملزمة، ووقف إسرائيل عن ممارساتها العبثية بالتهاون والسخرية من تلك القرارات، وتهاونها بحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة. الظروف العصيبة التي تمر بها الأمة العربية تقتضي تفعيل العمل العربي المشترك الذي تقوده المملكة، فقد أعلنت قيادتها الرشيدة مرارًا وتكرارًا عن أهمية هذا التفعيل وضرورته القصوى لمواجهة الأخطار المحدقة بدول المنطقة، وهي أخطار جسيمة لابد من وقف سريان ألسنة نيرانها المتأججة للحفاظ على استقرار دول المنطقة وسلامتها وأمنها، ولن يتأتى ذلك إلا بهذا التفعيل الحتمي والضروري. وستظل المملكة راعية لكل الجهود العربية والإسلامية والدولية من أجل تخليص المنطقة العربية من أزماتها القائمة، وعودة الاستقرار إلى ر بوعها من جديد، وستظل تنادي المجتمع الدولي للقيام بدوره الفاعل من أجل تسوية تلك الأزمات العاصفة التي لا تنحصر مخاطرها على دول المنطقة فحسب، ولكن امتداداتها خطيرة إلى سائر دول العالم دون استثناء.