أكد الدكتور محمد نور فرحات الأمين العام السابق للمجلس الاستشاري المصري والفقيه الدستوري ان المجلس العسكري سلم مصر للإخوان المسلمين على طبق من ذهب مقابل الخروج الآمن، موضحا انه انسحب من المجلس الاستشاري لان المجلس العسكري تجاهله ولم يستعن به. وقال فرحات في حوار مع «اليوم» ان المجلس الاستشاري كان محاولة لخلق كيان لحماية أهداف الثورة ولكنه فشل ولم يحقق هدفه، مبينا في الوقت نفسه ان المجلس العسكري لم يملك خبرة سياسية كافية لإدارة المرحلة الانتقالية. وتاليا نص الحوار : - في البداية .. هل تعتقد ان الاستحواذ الإخواني على الحياة السياسية ومؤسسات الدولة في مصر طبيعي؟ ليس طبيعيا بالتأكيد .. حتى وان كان استحواذ الاخوان المسلمين على مؤسسات الدولة لم يكتمل بعد، ولكن هناك محاولات دؤوبة ومستمرة للحصول على أجزاء كبيرة من المواقع التنفيذية في جهات الدولة المصرية والمواقع السياسية، ولعل آخرها تشكيل المجلس القومي لحقوق الإنسان على أساس سياسي، بالإضافة إلى الاستحواذ على سبعة مقاعد من مناصب المحافظين، وهذا غير صحي وغير دستوري وغير ديموقراطي، لأن مصر لا تملك دستورا يقول ذلك ولا تملك برلمانا، ولكن لدينا رئيس كان مرشحا لحزب الحرية والعدالة، وأغلب الأصوات التي أعطيت له لم يحصل عليها لأنه مرشح حزب الحرية والعدالة. الواقعة الثالثة رفض مبدأ ان يكون الدستور أولا والإصرار على ان تبنى المؤسسات التشريعية وان ينتخب الرئيس أولا في ظل غياب الدستور وهذا انصياع لنظرية (التمكين أولا) التى هي حجر زاوية فى الفكر السياسى للإخوان، فضلا عن العزوف شبه المتعمد من المجلس العسكري أن يضمن الإعلان الدستوري معايير لتشكيل جمعية تأسيسية متوازنة، الواقعة الرابعة إلغاء النص الذي كان موجودا في دستور 71 من حظر الأحزاب ذات المرجعية الدينية وتعديله. - هل تعتقد ان هناك محاولات لزج مؤسسات الدولة في مصر في أتون الصراع الحزبي والسياسي؟ هذا ما أخشاه بالفعل.. وعلى الجميع ان يعلم ان هناك مؤسسات في الدولة يجب أن تكون بمنأى عن أي صراع حزبي وهي المؤسسات التي لا تقوم الدولة إلا بها وهي القضاء والخارجية والجيش والشرطة والإعلام والصحافة والتعليم، هذه المؤسسات لا بد أن تكون بعيدة عن تيارات الصراعات الحزبية، إنما الوزارات توزع بين الأحزاب السياسية الحاصلة على الأغلبية البرلمانية إذا كنا نأخذ بالنظام البرلماني، لذلك أنا أدعو حزب الحرية والعدالة إلى بعض الهدوء انتظارا لما ستسفر عنه انتخابات مجلس الشعب القادمة، فإذا حصل على الأغلبية في الانتخابات فسيعتبر من واجبه وليس فقط من حقه أن يشكل الحكومة والعكس صحيح. - لكن الدول الديمقراطية الكبيرة التي سبقتنا لا تملك قوة واحدة فاعلة تسيطر وحدها باكتساح على الوضع السياسي...؟ مقاطعا .. هذه هي مهمة الأحزاب الأخرى. - هنا يأتي دور النخب السياسية الاخرى لمخاطبة الأحزاب للتكتل وإحداث توازن للقوي في مصر؟ وهذا ما يحدث الآن ، هناك محاولة «التيار الثالث» وهي محاولة لتجميع عدد من الأحزاب المدنية وهي مصر الديمقراطي الاجتماعي والمصريين الأحرار والكرامة والتحالف الشعبي، وهناك محاولة حمدين صباحي لإقامة ما يسمى بالتحالف الشعبي وهناك حزب الدستور الذي ظهر حديثا ويسعى للتحالف مع الأحزاب المدنية، والمحاولة الأخيرة للأستاذ عمرو موسى أن يجمع التيار المدني وهناك محاولات تجرى بالفعل ولكن تواجهها بعض التحديات. - ما هي؟ تحديان رئيسيان، الأول الدستور، فنحن لا نريد دستورا يفقد الدولة المصرية طابعها المدني ويحولها إلى دولة دينية، والثاني تحدي البرلمان أي السعي نحو الحصول على أغلبية البرلمان لصالح القوة المدنية، وعلى القوة المدنية أن تسعى للحصول على أغلبية البرلمان لكي تقيم توازنا بين مؤسسة الرئاسة وبين البرلمان، وهذا التوازن هو الذي سيحقق الديمقراطية في مصر. - كان من المفترض بعد الثورة أن يجتمع شباب الثورة على هدف ولكنهم انقسموا إلى 250 تيارا وحركة سياسية؟ لأنه لم يكن لديهم أية تجربة سياسية وليست لدى بعضهم مواهب سياسية وليس لديهم برنامج سياسي. - وكيف للشباب الذي استطاع أن يحرك الناس بأعداد ضخمة ويحشدهم لا يستطيع التأثير فى الواقع السياسى ...؟ لأنهم حشدوا من أجل الرفض وليس من أجل البناء، فالحشد من أجل البناء أصعب كثيرا من الحشد من اجل الرفض. - لماذا يخشى المصريون الدولة الدينية خاصة وانها قامت في مصر مرتين وفشلت في عصر اخناتون وفي عصر الدولة الفاطمية، لماذا يخشون من فكرة الدولة الدينية وتطبيق الحدود...؟ لأن الدولة الدينية ليست مجرد تطبيق للحدود، فمعنى الدولة الدينية أن يحكم الحاكم باسم الله، أي يكون شخص ما يجلس على مقعد السلطة معبرا عن إرادة الذات الإلهية العليا هذه هي الدولة الدينية، ان تكون قرارات الحاكم مختلطة بتوجهات السياسة هذه هى الدولة الدينية، أن تكون معارضة الحاكم كفرا وزندقة هذه هى الدولة الدينية، ليس صحيحا أن تاريخ المنطقة لم يعرف الدولة الدينية، لقد أنشأ الخليفة المهدي فرقا لقتل المعارضين بدعوى أنهم من الزنادقة، وفى الوقت الراهن خرج بعض الشيوخ السلفيين وبعض دعاة الإخوان المسلمين وبعض أئمة المساجد وقالوا ان معارضة الرئيس مرسي هي كفر والحاد ومعارضة للشريعة الإسلامية وهذه هي مقدمة الدولة الدينية. - وهذا الشكل من الدول ليس جديدا على المنطقة؟ هذا صحيح .. فالدولة الدينية التي أسسها نميرى في السودان عندما أفلس سياسيا واعدم معارضه الصوفي الشيخ محمود طه عندما اخرج بيانا وقال فيه ان القوانين التي سنها نميرى ليست قوانين مستمدة من الشريعة الإسلامية إنما هي قوانين دنيوية فخطورة الدولة الدينية ليست في الحدود ولكن خطورتها في الإغارة على الحقوق والحريات العامة عندما تصبح معارضة الحاكم كفرا بالإسلام ، هذه هي الدولة الدينية، فإذا كنت من المؤمنين بالحريات والمساواة أمام القانون وبتداول السلطة فلابد ان تكون معارضا للدولة الدينية. - الدولة الدينية منذ بدايتها في السودان والجزائر وأفغانستان وباكستان وبعض الدول الاخرى نرى ان منهج الإسلام السياسي دموي ويؤخر الدولة علميا واقتصاديا، فهل هو عيب في مبدأ الإسلام السياسي أم عيب في مبدأ من يعملون بالإسلام السياسي؟ ليس فقط الإسلام السياسي، خلط الدين بالسياسة والحديث عن السياسة بخطاب ديني لابد أن يؤدي إلى الاستبداد والقمع ويؤدي إلى تأخر المجتمعات. - الدول الأوروبية فصلت الكنيسة عن السياسة فخرجت من عصور الظلمات...؟ مقاطعا.. لا أحب أن أقارن التوجهات المدنية في المجتمعات العربية بالمدنية الأوروبية لأن هذه لها ظروف وتلك لها ظروف مختلفة، إنما أقول ان خلط الدين بالسياسة والسياسة بخطب دينية بواسطة أئمة المساجد أو من يتحدثون لغة أئمة المساجد أو فى خطاب المسؤولين الرسميين من شأنه أن يؤدي إلى تحويل المعارضة السياسية إلى عصيان سني، وتغيير طبيعة المجال من الحديث عن الصواب والخطأ إلى الحديث عن الكفر والإيمان وهذا يمثل إطاحة كاملة بحرية الرأي والتعبير والحريات العامة عموما. - في الفترة التي كنت فيها الأمين العام للمجلس الاستشاري، هل تعتقد أن المجلس العسكري كان له دور فيما آلت إليه الأحوال في مصر، وأنه سلم الوطن للإخوان في مقابل الخروج الآمن؟ ادعوك إلى تأمل الوقائع التالية التي حدثت بمصر منذ بداية المرحلة الانتقالية، الأولى تشكيل لجنة تعديل الدستور بقيادة قانونية ذات توجه إسلامي، وبعضوية ممثل من جماعة الإخوان المسلمين وعدد من الفقهاء ذوي التوجهات الإسلامية دون ان تمثل التيارات الإسلامية الأخرى، الواقعة الثانية التسامح مع إجراء أول استفتاء حقيقي على التعديلات الدستورية في مصر في ظل مناخ شديد الطائفية دون ان تنهض الدولة بواجبها المنصوص عليها في الدستور بمنع استخدام الدين في الدعاية السياسية ومنع استخدام المساجد في الدعاية السياسية، الواقعة الثالثة رفض مبدأ ان يكون الدستور أولا والإصرار على ان تبنى المؤسسات التشريعية وان ينتخب الرئيس أولا في ظل غياب الدستور وهذا انصياع لنظرية (التمكين أولا) التى هى حجر زاوية فى الفكر السياسى للإخوان، فضلا عن العزوف شبه المتعمد من المجلس العسكري أن يضمن الإعلان الدستوري معايير لتشكيل جمعية تأسيسية متوازنة، الواقعة الرابعة إلغاء النص الذي كان موجودا في دستور 71 من حظر الأحزاب ذات المرجعية الدينية وتعديله، الواقعة الخامسة إلغاء نفس النص في قانون الأحزاب السياسية والسماح بإنشاء أحزاب ذات مرجعية دينية، الواقعة السادسة غض الطرف عن الدعاية الدينية الفجة واستخدام المساجد كوسيلة للدعاية السياسية في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة، الواقعة السابعة الاختفاء المفاجئ للقائد العام للقوات المسلحة ورئيس الأركان والمجلس الأعلى للقوات المسلحة من المشهد السياسي بواسطة قرار باطل أصدره رئيس الجمهورية بإلغاء الإعلان الدستوري التكميلي. - معني هذا ان قرار مرسي باطل؟ لم نر في التاريخ المعاصر رئيسا يقوم بمفرده بتعديل الدستور دون أن يقول له أحد انك أخطأت، ضع هذه الوقائع بجوار بعضها البعض وستقرأ دور المجلس العسكري في السياق السياسي الراهن. - ما تقوله يدل على ان هناك اتفاقا للوصول إلى الخروج الآمن؟ في الحقيقة لدي شكوك قوية بأن هناك تفاهمات وثيقة بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة وبين حزب الحرية والعدالة وفى هذا السياق أستطيع أن أفهم تصريحات اللواء محمد العصار فور إقالة المشير ورئيس الأركان قال فيها ان القرارات التي صدرت بإعفاء المشير تمت بالتراضي مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة. - الكثير يقول ان المجلس الاستشاري المصري تعرض للكثير من الضغوط الخارجية؟ أنا لم أتعرض لضغوط خارجية فلقد استقلت بعد أن كنت أمينا عاما له بعدة اشهر وكان السبب الوحيد لاستقالتي أن المجلس العسكري حتى تاريخ استقالتي لم يستشر المجلس فى أي شيء ولم يجتمع بالمجلس العسكري ولا مرة وكان هناك قوانين عديدة تصدر دون أن تعرض على المجلس الاستشاري والمهمة الأساسية التي كنا مكلفين بها وهي وضع معايير تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور تم إبلاغنا ان المجلس الأعلى للقوات المسلحة غير متعاطف مع وضع هذه المعايير فانا رأيت أن عملي بالمجلس الاستشاري بلا جدوى. - وكيف تقيم فترة عمل المجلس الاستشاري؟ المجلس كان يضم نخبة متميزة من رجال السياسة والقانون، ولكن لم يتحقق الغرض منه فى أي مرحلة من مراحله، فكان استشارياً لا يستشار، رغم البواعث الجيدة لإنشائه من قِبل المجلس العسكري، إلا أنه كان له مستشارون آخرون لم يُعلن عنهم، بعضهم كان من مرشحي الرئاسة السابقين، وعدد من كبار رجال الأحزاب الإسلامية، فوجدنا أن المجلس لا قيمة له ولا جدوى منه، والشيء الوحيد الذي استشارنا فيه هو قانون الانتخابات الرئاسية، وسجلت حينها ملاحظاتي على المادة 28 التى تحصن قرارات لجنة الانتخابات الرئاسية، ولكن لم يلتفت المجلس العسكري للمذكرة التى أرسلناها برفضها، وأصدر القانون بصيغته الأولى دون النظر للتعديلات التى أدخلناها عليه. - إذا كان المجلس الاستشاري بلا صلاحيات لماذا اصرار المجلس العسكري على انشائه ,هل تعتقد ان الهدف منه كان مجرد «ديكور سياسي»؟ ليس إلى هذا الحد ... فالمجلس العسكري اعتاد أن يعقد اجتماعات مع عدد من القوى السياسية ورجال القانون للتشاور معهم حول ما آلت إليه الأوضاع ما بعد الثورة ، ودعيت للعديد من هذه الاجتماعات بصفتي أستاذ قانون دستوري، واقترحت فى أحد الاجتماعات التى رأسها المشير حسين طنطاوي وزير الدفاع السابق، بأن تكون هذه الاجتماعات دورية، وهو الأمر الذي لم يحدث بعد ذلك، ووقتها كانت الفكرة تدور حول اجتماعات شهرية تعقد بين أعضاء المجلس الاستشاري والمجلس العسكري بشكل مؤسسي، فى محاولة لخلق كيان أشبه بمجلس حماية أهداف الثورة ولكنه فشل للأسف. - لماذا؟ لان رئيس المجلس العسكري لم يرحب بهذا المسمى، وقرر أن يكون مجلساً استشارياً، فاجتمعت مع المستشارة تهاني الجبالي، والدكتور محمد سليم العوا، وعمرو موسى، وسامح عاشور، والدكتور محمد مرسى، والدكتور السيد البدوى، وكان ذلك بداية عمل المجلس. - كنت أكثر أعضاء المجلس الاستشارى تمسكاً بوضع معايير لاختيار أعضاء التأسيسية، فهل كنت تتخوف من هيمنة فصيل واحد عليها؟ وهذا بالفعل يحدث على ارض الواقع، فقد هيمن التيار الإسلامى على ما يقرب من 70 بالمائة من لجنة إعداد الدستور، لذلك كنت أطالب بفرض مبادئ وأطر حاكمة للتأسيسية مع الدكتور عبد الجليل مصطفى، الأمين العام السابق للجمعية الوطنية للتغيير، بهدف توافق القوى السياسية على مبادئ حاكمة للدستور تضمن مدنية الدولة، وأن تكون الجمعية التأسيسية ممثلة لجميع القوى والتيارات الفكرية فى مصر، ولكننا لاحظنا أن ممثلي الإخوان المسلمين كانوا لا يرفضون مبدأ التوافق على معايير تشكيل الجمعية التأسيسية أو وضع أطر ومبادئ حاكمة للدستور، وكانوا يرفضون أن يصحب هذا التوافق وضع ملزم فى شكل إعلان دستوري. - قلت ان مرحلة الثورة انتهت وبدأت دولة الإخوان، هل تعتقد حقا اننا سنعيش دولة الإخوان؟ وهل تعتقد ان هذه الدولة سترتبط ارتباطا وثيقا بالدولة الدينية؟ أتمنى ألا يحدث ذلك وان تسفر علاقات القوى بعد الانتخابات البرلمانية القادمة عن صيغة متوازنة.