الطفولة هي إحدى صفات العيد الذاتيَّة التي تصنع جوهره، فإذا غابت الطفولة غاب معها العيد، بالضبط مثل البراءة والمثالية فلا يمكن أن يشعر الإنسان بالمثالية بعد أن يفقد براءته، فيا ترى ما الذي تبقَّى الآن من العيد بالنسبة لي بعد أن استبدلت جذوعَ الأراجيح بالحديد من فرط حضاريَّته، وأطلقت البلالينَ الملوَّنة بدلا من طائرات الورق. العيد بالنسبة لي: فرحٌ آيلٌ للصدأ من فرط ما نخرته كيمياءُ النسيان.. آتي إليه لأقاوم صدأه بطلاء الابتسمات والتهاني والثياب الجديدة بعد أن تآكلت القيمُ في باطنه. يدخلُ العيدُ إلى بيتيَ طفلاً شاهقَ الضحكةِ.. تستقبلهُ الألوانُ والفستقُ والحلوى وسربٌ من بلالينِ ابتهاجٍ، وصغاري المستبدُّونَ حنيناً للأراجيحِ التي يزرعُها الحبُّ وتجنيها الطفولَة. ليس للفرحةِ معنى آخرٌ كي أتعزَّى بِبقائي خارجَ الفرحة.. ها قد حَصْحَصَ الحقُّ بِأنّي لم يعُدْ لي في الأراجيحِ نصيبٌ بعدما امتدَّتْ غصونُ العُمْرِ في أُفْقِ الكهولَة. يدخلُ العيدُ إلى بيتيَ طفلاً شاهقَ الضحكةِ.. تستقبلهُ الألوانُ والفستقُ والحلوى وسربٌ من بلالينِ ابتهاجٍ، وصغاري المستبدُّونَ حنيناً للأراجيحِ التي يزرعُها الحبُّ وتجنيها الطفولَة كيفَ لي أن أتعرَّى من ثلاثينَ خريفا كي أرى العيدَ من الخارجِ يأتي حاملاً فانوسَهُ الحالِمَ.. يندسُّ إلى ذاتي ويُذكيها فتيلَهْ. لم أجدْ لي من دليلٍ يعرفُ الدربَ إلى أيَّاميَ الأُولى، ولا بوصلةٍ تُومئُ نحو الحُلُمِ الأَوَّلِ. ضاعتْ حِصَّتي من فَرَحِ اللُّعْبِ وأكملتُ نصابي في هُمُومِ الجِدِّ. بئسَ القسمةُ الضيزى! أُحسُّ العيدَ يأتيني من الداخلِ كهلاً يتحدَّى الزَمَنَ الأهوَجَ.. يجتاحُ التقاويمَ التي تعتقلُ الفرحةَ في رُوزنامةِ الوقتِ، ويُغري حقلَ أحلامي فيسقي بالغواياتِ نخيلَهْ. أين أَمضي وأَنا المطرودُ حتّى من غدي .. أبحثُ عن فلسفةٍ تفتحُ أزرارَ سَقامي هرَباً من جُبَّةِ الأمراضِ؟ يا فلسفةَ الشوقِ تعالي واعجني قلبي على شَكْلِ حنينٍ بارعٍ يُبدعُ في هندسةِ الماضي وتهذيبِ مراياهُ لعلّي ألتقيني في رُؤى طفلٍ قديمٍ فَصَّلَ العيدَ رداءً لأمانيهِ فشقَّتهُ الرجولَة. آهِ ياربُّ لِماذا يكبُرُ العُمْرُ وهذا العيدُ لا يكبُرُ ؟ يا ربُّ لِماذا الهمُّ يمتدُّ ولا تتَّسعُ الأرجوحةُ الطفلةُ للهمّ ِ؟ سئمتُ الفَرَحَ القاصرَ عن حجمِ العذاباتِ الطويلَة. كلُّ عيدٍ نطَّ من ضحكةِ أطفالي تَحاشى الزَمَنَ الساقطَ لَهْواً بِبياضِ الوقتِ في شَعري.. وأغراهُ بياضُ الزَمَنِ الأوَّلِ في صدري.. وما بين البياضينِ توارَى خارج العُمْرِ بِخُطْواتٍ خجولَةْ.