الدول الكبرى، هي تلك التي تستطيع تلمُّس طريقها، والسير عليه، باستلهام صيرورة التاريخ، دونما نظر لما تحيكه طيور الظلام. والدول الكبرى، وحدها، هي تلك التي تترفع عن الصغائر، أو الانجرار وراء دعايات رخيصة، متأكدة من أن مصيرها المشترك مرهون بحِكمتها وقدرتها على تجاوز التشكيك إلى إرساء مستقبلها القائم على مصالح شعوبها، وتعزيز أواصر المحبة والتعاون مع الأشقاء والأصدقاء والجيران. لهذا، لم يكن غريبًا أن نجد المملكة ومصر تحديدًا يعمِّقان هذا المفهوم الإستراتيجي، وظل البلدان، طيلة عقود، يحافظان على الهيكل العام الذي يُعتبر كل منهما امتدادًا وعمقًا للآخر، تجلى هذا تحديدًا منذ حرب 1973 المجيدة، وأبرز قدرة العرب على توظيف إمكانياتهم لخدمة هدفهم العام. طيلة عقود، ظلت المملكة، وعبر منهجيتها الحكيمة، تجذر مفهوم العُمق الإستراتيجي، في كافة المواقف، واستطاعت مع مصر بالذات تكوين حائط الصد العربي، الخالي من الأطماع أو الأحقاد، في مواجهة العديد من المؤامرات الإقليمية والدولية، ومثَّلت الرياض مع القاهرة، جناحي أي عمل عربي مشترك.. في السلم كما في الحرب. ومن هنا، يمكن فهم، أن تكون أول زيارة للرئيس المصري المنتخب، خارج بلده، وبعد أقل من أسبوعين من توليه منصبه، إنما هي للمملكة، وأن أول زعيم يلتقي به هو خادم الحرمين الشريفين، ليكون التقدير المصري للشخص والمكان له مدلوله السياسي والشعبي والتاريخي أيضًا. الإشارة الأكثر أهمية، في زيارة الرئيس المصري للمملكة، إضافة إلى حجم التقدير الرسمي والشعبي للمملكة قيادةً وحكومةً وشعبًا، تكمن في أنها ردٌّ قويٌّ على كل المزاعم والأقاويل الباطلة، التي راجت في الفترة الأخيرة، من قبل أطرافٍ معروفةٍ يهمُّها ضرب العلاقة السعودية المصرية، ومحاولة استغلال الأوضاع الداخلية المصرية، بشكلٍ يخدم أجندتها الخاصة. أشقاؤنا المصريون، هم أول مَن يعلم مكانتهم لدينا، نحن أيضًا ندرك ذاك الكمّ الهائل من التقدير والحب لهذه البلاد، وقيادتها وشعبها، وهي المشاعر التي تتجاوز الجغرافيا، وتجعل منها قيمة تاريخية خالدة.. يُدلل على ذلك الاستقصاء الأخير لمركز معلومات مجلس الوزراء المصري، والذي أشار إلى أن "المملكة العربية السعودية تأتي في مقدِّمة دول العالم ذات المكانة الأولى للشعب المصري".. وهذه كلها أشياء لا تأتي من فراغ، وإنما هي نتاج سياسةٍ متبادلة.. طويلة المدى وعميقة الجذور، وخالية من الأطماع أو الأهواء. كل ما يهمّنا، في هذه المناسبة، هو تجديد حرصنا على أن تعود مصر القوية التي نعرفها، الغنية بشعبها، والزاخرة بتراثها، إلى محيطها العربي، ولعل حرص خادم الحرمين الشريفين على وضع كل إمكانات المملكة تحت تصرُّف مصر، حتى تستعيد عافيتها، ما هو إلا عامل اطمئنان مهم للغاية، نضعه بجانب أشقائنا المصريين، بأننا معهم، كما نحن منهم، نشاركهم الألم، ونقاسمهم الأمل في الغد المشرق، والذي ننهض فيه جميعًا، من أجل مجد أمتنا، وعزة وكرامة شعوبنا.