وصف عالم الفضاء والخبير الجيولوجي الدكتور فاروق الباز مرشّحي الرئاسة المصرية بأنهم لم يرقوا إلى مستوى الأمل المنشود، كما نفى إمكانية اختفاء العسكريين عن الساحة السياسية بين عشية وضحاها مؤكدًا على تشعّبهم في مختلف الأماكن والمؤسسات المصرية وفي ذات السياق قال الدكتور الباز في حواره ل «اليوم» إن الجيش المصري ليس معصومًا من الخطأ رافضًا توجيه أي إهانة له مهما كانت الأسباب. ومن ناحية أخرى أعلن عن تأييده لتطبيق قانون العزل السياسي على كل مَن عملوا في ظل النظام السابق بمن فيهم شقيقه الدكتور أسامة الباز المستشار السياسي للرئيس السابق حسني مبارك. وعن صعود نجم الإسلاميين في الساحة السياسية المصرية أكد الباز أنه لا يخشاهم وقال «خليهم يتعلموا» - على حد قوله - لكنه في ذات الوقت انتقد شعارهم «الإسلام هو الحل». وعلى صعيد الثورات العربية واحتمالات انتقالها للخليج استبعد الدكتور فاروق الباز هذا الأمر مؤكدًا على أن دول الخليج لها خصوصية تختلف عن دول الربيع التي كانت محكومة بحكم العُسكر المستبد. يُذكر أن العالم المصري الكبير الدكتور فاروق الباز كان من أوائل المؤيدين لثورة الشباب ضد نظام مبارك رغم ما قد كان يسببه من حرج مع شقيقه مستشار الرئيس مبارك لفترة طويلة. كما كانت آراؤه لاذعة صريحة ضد أخطاء السياسة في مصر وتقدّم أكثر من مرة بمشروعات علمية مهمة ومفيدة لمستقبل الأجيال القادمة لكنه كان دائمًا يصطدم برغبة الإرادة السياسية في وضع العراقيل أمامه في ظل النظام السابق. ومع دخول مصر مرحلة جديدة في ظل أحداث الانتخابات الرئاسية وترقب ما ستسفر عنه من رئيس مصري جديد يقود المرحلة المقبلة يجدر بنا الانصات لصوت عقل الدكتور فاروق الباز ونحن نستطلع آراءه السياسية من خلال هذا الحوار.. نعم أنا أؤيد العزل السياسي ولكن لوقت محدّد ليكن خمس سنوات مثلًا والسبب في ذلك أنه لابد أن يشعر الناس بأن مَن عمل عملًا أو اكتسب مع أفراد النظام البائد ليس له الحق في الاستمرار إلا بعد أن يثبت أنه يعمل للصالح العام في الوضع الجديد. وطبعًا ينطبق ذلك على أخي أسامة وأي من أقاربي وأصدقائي إن الصحيح لابد وأن يطبّق على الجميع دون استثناء.كيف ترى المشهد السياسي الآن في مصر؟ المشهد السياسي في مصر متخبّط ويتسم بغياب الرؤية والنظرة المستقبلية ومع ذلك فهو طبيعي لأننا في فترة انتقال من 60 سنة في مناخ حكم فردي يمكن أن يتصف بالمستبد في بعض الأحيان إلى مناخ ديمقراطي يؤهل لكل فرد أن يدلو بدلوه .. وكان لابد أن نتوقع البلبلة في الفترة الانتقالية هذه فلا يمكن التغيير الجذري في وسائل الحكم في جو هادئ لا تشوبه شائبة لذا فإنني أطمئن الجيل الصاعد بأن الوضع سوف يتغيّر إلى الأحسن رويدًا رويدًا، وعلى كل فرد أن يعمل في سبيل إرساء أسس صحيحة لممارسة السياسة الواعية التي تتطلع إلى المستقبل. الثورة ومرشحو الرئاسة هل سُرقت الثورة كما يقال؟ الثورة لم تسرق ووضعها عادى جدًا وكان منتظرًا ولأنني جيولوجي فأنا أشبه الثورات بالزلازل القوية التي تغيّر الوضع. تحدث الزلازل نتيجة لحركة كتلة من كتل القشرة الأرضية الكبيرة بالنسبة للكتل الأخرى وكل زلزال تأتي بعده توابع نتيجة لتحرّك باقي الكتل المحيطة بالكتلة التي تحرّكت. وكما ذكرت لشباب الثورة مرارًا وتكرارًا فإن توابع ثورتهم سوف تستمر عدة شهور إذا نظروا للأمام أو عدة سنين إذا نظروا للخلف والآن على الجيل الصاعد التأني في انتظار الخلاص الكامل مع العمل المستمر حيال النمو الاجتماعى والاقتصادي لمستقبل أفضل. ما رأيك في مرشحّي الرئاسة المطروحين على الساحة؟ في نظري لم يرق أي منهم إلى الأمل المنشود.. فالغالبية العظمى تعد بأنها سوف تفعل كل شيء مع أن أربع سنوات غير كافية. كنت أرجو أن يحدّد المرشّحون واحدًا أو عددًا من متطلبات المستقبل القريب مثل «إصلاح التعليم» والإفصاح عن الخطة التي تؤهل الوصول إليه. كذلك يمكن أن يكون الشعار «إنتاج ما نحتاج» أي برنامج يفهمه الناس كي يسيروا مع القائد للوصول للغرض المنشود. ومن منهم تراه الأنسب لمصر؟ وهل حقًا أنك تؤيد حمدين صباحي؟ لن أذكر من أفضلهم أو مَن رشحته لكي لا يؤثر ذلك على اختيار الشباب، فأنا أفضّل أن يختار كل منهم من يراه الأصلح للقيادة والريادة لرفعة مصر. * ما تقييمك لظهور عسكريين من نظام مبارك ضمن المرشحين؟ لقد تشعّب العسكر فى كل كبيرة وصغيرة في مصر منذ ثورة يوليو 1952، واحتل الضباط مواقع أساسية في الوزارات والمؤسسات ومن الصعب أن يختفي ضباط الجيش من الحياة العامة بين عشيةٍ وضحاها. لقد اعتلى إثنان من إخوتي الكبار- محمد وعصام – قيادات هامة في جيش مصر ومع ذلك فأنا لا أرجّح خوض العسكر في المهمات المدنية لأنهم ينتمون إلى مجتمع «تمام يا فندم»، وهذا يتنافى مع الإدارة الواعية التي تتصف بالنقاش المثمر للصالح العام. أخطاء المجلس العسكري هل أدّى العسكريون ما عليهم من دور؟ وما أهم الأخطاء التي وقعوا فيها؟ نعم.. لقد أثبت جيش مصر أن مسؤوليته الأساسية هي الحفاظ على أرضها وشعبها وكيانها. وربما أخطأ المجلس العسكري عدة مرات في اتخاذ قرارات سريعة دون تأنٍ أثناء البلبلة التي أصابت مصر بعد الثورة لكني أعتقد أن ذلك ناتج أصلًا من عدم دراية بالأساليب السياسية.. وأكبر هذه الأخطاء في نظري هو عدم دراسة التيارات السياسية وكيفية التعامل معها. كيف رأيت مشهد محاصرة المعتصمين لوزارة الدفاع المصرية؟ وهل هذا شيء مقبول فى العالم الديمقراطي؟ إن جيش مصر قام بالحفاظ عليها وعلى شعبها وكياناتها وإن أخطأ في شيء فهذا لا يعني أن يكون عُرضة لانتهاك كرامته أو إذلاله مهما كانت الظروف. فالمجلس العسكري ليس معصومًا من الخطأ وقد أخطأ في اتخاذ قرارات بسرعة ثم العدول عنها وهذا وارد جدًا ولا يؤثر على سمعة الجيش واحترامنا له. قانون العزل ودكتور أسامة ! هل توافق على تطبيق نظام العزل السياسي؟ وماذا لو طبّق على الدكتور أسامة الباز.. هل توافق على ذلك؟ نعم أنا أؤيد العزل السياسي ولكن لوقت محدّد ليكن خمس سنوات مثلًا، والسبب في ذلك أنه لابد أن يشعر الناس بأن مَن عمل عملًا أو اكتسب مع أفراد النظام البائد ليس له الحق في الاستمرار إلا بعد أن يثبت أنه يعمل للصالح العام في الوضع الجديد. وطبعا ينطبق ذلك على أخي أسامة وأي من أقاربي وأصدقائي.. إن الصحيح لابد أن يطبّق على الجميع دون استثناء. بالمناسبة أين الدكتور أسامة الباز؟ وهل قرّر الابتعاد عن الإعلام وما موقفه مما يحدث بمصر؟ لقد ابتعد أخي أسامة عن المشهد السياسي منذ سنوات طويلة وكفاه ما رآه وفي نظري ابتعاده عن المشاركة في الوضع الجديد عمل يُحتذى به! ما رأيك في المرشحين الإسلاميين؟ وهل تخشى وصولهم للحُكم؟ **لا أخشى أبدًا ظهور المرشحين الإسلاميين ولا أخشى وصولهم إلى الحكم على كل المستويات، وذلك لأنني مقتنع تمامًا بأن المتعصّب سوف يتعلم أن هذا لا يجوز في نظر الغالبية العظمى، يعني بمعنى آخر «خلّيهم يتعلموا» فلهم الحق مثل باقي التيارات. شعار الإخوان كيف تقيّم تجربة برلمان الإخوان بعد الفترة الماضية وهل يعانون حقًا من قصور سياسي؟ وما أخطر عيوبهم التي تخشى على مصر منها؟ لقد عمل الإخوان المسلمون في الخفاء لمدة طويلة ولم يمارس منه السياسة إلا القليل وأهم عيوبهم هو شعار «الإسلام هو الحل» فالإسلام دين حنيف لا يجب الإساءة إليه في حملة سياسية، فإذا ما فشلت حكومة إسلامية فهل هذا يعني فشل الدين الإسلامي؟! فهذا الخلط أرى أنه إساءة للدين. وإذا احتاج الناس لشعار يجمعهم فلماذا لا يختارون شعارًا واضحًا مثل «العمل هو الحل» لإصلاح التعليم وزيادة الإنتاج وخلق فرص عمل للشباب.. إن الذي يصنع المستقبل هو العمل الدؤوب في صالح المجتمع دون مغالاة. ثورة جديدة * هل تتوقع أن تحدث ثورة جديدة لو جاء رئيس من العسكر أو الفلول أو الإسلاميين؟ لا أتوقع ثورة جديدة ولكني أتوقع أن شباب الثورة سيقفون بالمرصاد لكي يؤمنوا مكاسبها بوسائل سلمية للوصول إلى نهضة مصر. بحكم إقامتك بالخارج ما رؤية العالم الغربي لمصر الآن؟ الإخوة في العالم الغربي مثلهم مثل باقي الناس في أنحاء العالم يأسفون لما حدث في مصر بعد الثورة من انشقاق وإحباط وبلطجة خاصة التمادي في المطالب وإهدار المؤسسات.. في نفس الوقت يتوقع الجميع أنه بعد فترة التخبّط هذه سوف يستتب الأمر وتبدأ المسيرة الصالحة التي تؤهّل للوصول إلى المكاسب المنتظرة ولو بعد سنوات. تشابه الثورات هل تتشابه الثورات العربية كلها من تونس وصولًا لليمن؟ نعم لقد نبعت الثورات العربية من فكر واحد وهو إسقاط الأنظمة الهالكة والمستبدة التي تحكّمت في أمور الناس وعملت لصالحها فقط تحت حكم «الأوحد». ومَن يتمعّن في الأمر يرَ أن الثورات قامت في البلدان العربية التي قامت فيها ثورات عسكرية في الماضي نتج عنها أن العسكر أمسكوا بزمام الأمور، وبدأ التدهور الإجتماعي والاقتصادي وغيرهما، فانتفض الناس في هذه الدول العربية للإقصاء بالحكم الفردي الذي أذل الناس وأخفق التقدّم. دول الخليج وهل ترى حتمية في وصول الثورات لدول الخليج أم أنها محصّنة لظروفها الاقتصادية؟ أعتقد أن دول الخليج محصّنة أولًا؛ لأنها تحكم بآليات مختلفة تمامًا عن الحُكم العسكري وتشمل المشورة بين الطوائف والجماعات والأفراد. ومجلس الحكم في هذه البلاد يدخله أي مواطن ويلقي بشكواه على الملأ. كما أن الحكومات في دول الخليج تعمل على الرفعة الاقتصادية التي تؤهل المكاسب للغالبية العظمى من الناس. حدثت مظاهر غريبة مؤخرًا من إساءات لبعض المتظاهرين أمام السفارة السعودية.. فما رأيك في تلك الأحداث؟ سفارات الدول جميعًا مؤسسات رسمية تتواجد للمشورة في الأمور والأحداث وهي مواقع يحميها القانون الدولي وقبولنا بوجودها يستلزم احترامنا لحصانتها، فإذا لم يكن هناك مانع من التجمّع السلمي حول أي سفارة لإيصال شعور معيّن، فهذا لا يعنى أبدًا إيذاء السفارة أو من يعمل بها. هل تستشعر بأن هناك مَن يحاول تعكير صفو العلاقات المصرية العربية؟ لا أظن أن هناك مخططًا لتغيير مسار العلاقات والإساءة لأي دولة بصورةٍ غير حضارية فيه إساءة لمصر أولًا ولا يصح أن يحدث أبدًا. تركيا وإيران مصلحة مصر مع العرب أم مع تركيا وإيران أولًا ثم العرب بعد ذلك؟ طبعا مصلحتنا الأولى مع العرب ومصلحة العرب جميعًا هي مع مصر أولًا ولعلاقتنا مع الدول العربية تاريخ طويل لا يمكن أن تغيّره الأزمات السياسية الطارئة ولا شك في أن مستقبل مصر مع العرب ومستقبل العرب مع مصر. وتأتي مصلحتنا الثانية في أفريقيا ثم تأتي مصلحتنا الثالثة مع الدول القريبة منا والتي تشبه أحوالنا مثل تركيا وإيران. تابعت قضية منظمات المجتمع المدني المتورّطة في الحصول على تمويل أجنبي.. ما رأيك في هذا الموضوع؟ القانون المصري يسمح لأي مجموعة من الناس أن تكون منظمة للعمل المجتمعي بشرط أن يتم ذلك بعد تقديم طلب رسمي وإشهار مصادر الدعم وغيرها من المتطلبات القانونية، وكان السبب في التورّط هو أن الجماعات التي أتت بعد الثورة من أمريكا وأوروبا تسرّعت في العمل المجتمعي قبل صدور السماح لهم بالعمل قانونًا. وأنا شخصيًا أعدّ لإرساء جماعة مدنية «شباب محو الأمية» لتشجيع طلبة وطالبات الجامعات المصرية بالتبرع بوقتهم وخبرتهم في تعليم القراءة والكتابة في عشوائيات المدن والقرى ولم تصلني موافقة من الدولة ولن أبدأ العمل قبل الحصول على تلك الموافقة لأن العمل في أي دولة لابد أن يكون تبعًا لقوانينها وعاداتها ولابد من احترامها. كنت مؤخرًا في الإمارات العربية.. ماذا رأيت هناك؟ وما الذى يعجب الدكتور الباز في دول الخليج ويتمنى رؤيته في مصر؟ بالفعل كنت في دبي مؤخرًا لإلقاء كلمة في منتدى الإعلام العربي، وأكثر ما أعجبني هو أن المسؤول عن المنتدى وكل من يعملون معها أقل من 30 سنة أي من الشباب وهذا ما أتمنى رؤيته في مصر وأن نترك مجالًا للجيل الصاعد. العرب والعلم هل هناك دول عربية تراها مواكبة للتطوّرات العلمية في العالم؟ للأسف الشديد الغالبية من العرب يعيشون في جو لا يبالي بالعلم ونجاحاته وهو أهم أسباب تأخرنا ومع ذلك لا ننكر أن هناك بعض المحاولات الناجحة في بلدان الخليج. ماذا حدث بشأن مشروع الدكتور فاروق الباز عن الصحراء الغربية والزراعة والمياه والآمال التي بنيناها في بداية الثورة ثم اختفت؟ مقترح ممر التنمية مشروع إنمائى يؤهل لفتح آفاق جديدة للمعيشة وإقامة المدن والقرى واتساع الأرض الصالحة للزراعة وإقامة المشروعات الإنتاجية والصناعية يتمّ ذلك من خلال إضافة ضعف المساحة المستخدمة حاليًا أي حوالي 10 ملايين فدان بعد تأهيل البنية الأساسية فيها من ساحل البحر المتوسط وحتى حدود السودان.. هذا المشروع يحدّ من التعدّي على الأراضي الزراعية التي تختفي تحت البناء بمعدل 30 ألف فدان سنويًا، كما يفتح المشروع أبوابًا للاستثمار في جميع ربوع الوطن للحدّ من البطالة وتسهيل المعيشة على الأجيال القادمة خاصة أن تعداد السكان سوف يزداد 60 مليون نسمة ليصبح التعداد الكلي 140 مليون نسمة عام 2050. والمقترح أن تقوم الحكومة بتقنين العمل فقط ولا تتدخل في مسيرته أو ميزانيته التي تقدّر بحوالى 24 مليار دولار يمكن جمعها أولًا باكتتاب مصري وثانيًا بمساهمة عربية وثالثًا بمشاركة أجنبية. يتطلب العمل في كل ذلك الاستقرار والأمان ولا يصح الخوض فيه إلا بعد استقرار الأوضاع في مصر، لأنه مشروع مستقبلي وسوف يتم في المستقبل قبل أو بعد رحيلي من هذه الدنيا لا يهم ذلك المهم أن يؤمن المشروع مستقبل مصر. الرئيس القادم أخيرًا ماذا تقول للرئيس القادم؟ وما أهم قرار لابد من اتخاذه فور وصوله لقصر الرئاسة ؟ وممّ تحذره؟ أقول لرئيس مصر القادم «صارح الناس وعامل الشعب على أنه ذكي واعٍ وعليك أن تعمل لصالح الناس بغض النظر عن أي مصالح أخرى واحذر من مقولة أنا».