من أهم عناصر المدنية الحديثة التخطيط الهندسي الذي يستشرف مستقبل المدن وتمددها وخياراتها في العمارة وقابليتها للتطور، ولذلك فإن المدن الحديثة لا تنشأ دون دراسات هندسية عميقة تستوعب قدرتها وقابليتها للتطور بحسب المعطيات الجغرافية والجيولوجية والتنموية التي تحيط بها، فليست هناك مدينة تكبر وتتضخم بالسكان دون مسوغات موضوعية لذلك، ولذلك فإنه حين يتم رسم خرائط الحواضر وما تحتاجه من خدمات يوضع في الاعتبار كل الظروف المستقبلية لذلك، فإذا كان هناك، على سبيل المثال، عائق طبيعي من بحر أو جبال، فلا يمكن الرسم باتجاه هذه المحددات الطبيعية وإنما حواليها أو بعيدا عنها إذا تم الوضع في الاعتبار نموها وتطورها، فهناك مدن بطيئة النمو أو ساكنة لأنه لا تتوافر لها الظروف التي تجعلها تكبر كغيرها مما يمكن أن يستجد في مستقبلها. وتخطيط المدن من أهم فروع الهندسة المعمارية وذلك بفعل الحفز التنموي والبشري حيث يشهد العالم نموا بشريا هائلا اتجه بالمهندسين والمعنيين بخدمات التخطيط الى التفكير في خيارات وبدائل تسمح بتحقيق توازن مرن بين النمو السكاني والخدمات الأساسية وهي خدمات بلدية بالدرجة الأولى، فجميع المدن بحاجة لخدمات متكاملة تشمل سفلتة الشوارع ومساراتها ومعاييرها في مساحاتها والخدمات التي تتوفر بها وسهولة مخارجها ومداخلها وتقاطعاتها وقابليتها لفترة طويلة دون الحاجة الى صيانة تعوق حركة السير فيها، وهذه تفاصيل دقيقة ينبغي مراعاتها في شوارعنا التي تتعرض لضغوطات صيانة لها دورها الكبير في خلل حركة السير وبطء وصول المواطنين الى أعمالهم وقضاء مصالحهم. التخطيط الناجح يغنينا عن كثير من عمليات التشويه وتعطيل المصالح والعبث بأوقات الآخرين وإغلاق مصالحهم، فنحن نعلم بالضرورة أن هناك نموا مطردا في أكثر من مدينة وذلك ما ينبغي معه أن نضع في اعتبارنا تنسيق عمليات الخدمات المختلفة.ولعل المعايير التخطيطية التي نحتاجها في هندسة وعمارة مدننا لا تجد كثيرا من العناية في عمليات التوسع التي تشهدها تلك المدن، فالتصريح للمخططات في الغالب يتم قبل استيفائها الشروط الخدمية والبلدية المطلوبة، ولذلك تقع مدننا في فخ عمليات الصيانة كل حين وآخر ولذلك أثره السلبي المباشر في سرعة إنجاز الأعمال وتعكير مزاج المواطنين، حيث نجد أن كثيرا من الجهات تعبث بالطرق والشوارع الداخلية تحت مبرر الصيانة والتوسع، يحدث ذلك من شركات الاتصالات والكهرباء والمياه والبلديات والصرف الصحي، ويتعرض الشارع الواحد في غضون سنة أو سنتين لأكثر من عملية حفر وترقيع، وذلك لأنه لم يكن هناك تخطيط واسع الرؤية والأفق لتمددها أو تطورها. التخطيط الناجح يغنينا عن كثير من عمليات التشويه وتعطيل المصالح والعبث بأوقات الآخرين وإغلاق مصالحهم، فنحن نعلم بالضرورة أن هناك نموا مطردا في أكثر من مدينة وذلك ما ينبغي معه أن نضع في اعتبارنا تنسيق عمليات الخدمات المختلفة، وما يحدث في مدننا لا نراه في كثير من مدن العالم رغم أننا لا نقل عنها في أساليب النمو ومعرفة حركة المستقبل، ولكن المشكلة الحقيقية لدينا في عدم استشراف ذلك المستقبل بأفق هندسي يستوعب التطور واحترام حاجة الساكنين للهدوء من ناحية، وتوفر خدماتهم من ناحية أخرى دون قلق أو إزعاج.