ما يحدث في عواصم عربية عديدة، جدير بالانتباه، والاحترام في نفس الوقت، وينبغي عدم تجاهله أو الإشارة إليه بأنه مجرد حالة مؤقتة، أو فقاعة ستنتهي. الواضح أن زلزالاً شعبياً يتحرّك، والمؤكد أن الشعوب التي ترنو إلى تحقيق تطلعاتها، لن تقف مكتوفة الأيدي، خاصة وهي ترى توابع ما يحدث عقب الإطاحة بنظامَين رسميّين عربيين، لم يكن أحد يتصوّر أو يخطر على باله، أن 28 يوماً في تونس، أو 18 يوماً في مصر، ستحدث هذا التغيير الكبير. حالة الحراك العربي هذه، يجب أن يتم التعامل معها وفهمها بشكل أوسع، في عالمٍ تغيّر كثيراً، ولم يكن هناك ما يمكن تجاهله أو إنكاره أو قمعه، مع تحوّل العالم إلى قرية صغيرة، وهذا ما يجعل من الضروري على الحكومات العربية أن تسارع لإيجاد علاقة فعلية وروابط حقيقية مع شعوبها. من تونس إلى القاهرة، كان تسونامي التظاهر الذي أصبح قفزة مثيرة وكسراً لحواجز عديدة، اتضح فيها الفشل الكامل للتعامل الأمني القمعي، وفقدان الحوار والتفهم للمطالبات الشعبية، والتساؤلات المحيّرة أيضاً، وانتقال أنفلونزا الاحتجاجات إلى دول أخرى، يشير إلى ما هو أبعد، ذلك أنه كشف عن أن بعض الأنظمة العربية ليس بمقدورها أن تبقى بعيداً عن التأثر بما يحدث.. ذلك أن الحديث عن أن مصر غير تونس، لم يكن صحيحاً، بل إن سقوط النظام في دولة كمصر، استغرق وقتاً أقل بعشرة أيام عمّا حدث في تونس الأصغر حجماً ومساحة وسكاناً، وأي حديث آخر، عن أن اليمن أو ليبيا أو أي دولة أخرى، ليست مثل مصر أو تونس، يكون نوعاً من الخطأ الكبير. ربما يكون الحديث عن خصوصية معينة، في غير محله الآن تحديداً، وربما يكون من الواجب أيضاً للجميع البحث عن أرضية مشتركة وصياغة جديدة لعقد اجتماعي بين أي نظام أو حكومة، وبين المواطن العربي. ولن يشفع أبداً لأي شخص أو مسؤول أو جهاز أمني، أن يتورّط في دماء شعبه أو أبنائه.. بدلاً من الوصول إلى صيغة تعاهدية تعيد إحياء الوطن، أي وطن. إن عالمنا العربي اليوم، أحوج ما يكون إلى تفهّم أكثر للرغبات الشعبية، واحتوائها بالعديد من الإصلاحات الحقيقية والجريئة، داخلياً، وإذا كنا نرفض أي إملاءات خارجية فعلينا أن نستمع لأصوات العقل الداخلية، قبل تفاقم الأمور، وقبل أن تعتبر تنازلات أمام ضغط الشارع الملتهب والذي قد لا يرضى وينادي بالمزيد كما في الحالة المصرية.. والتي اتضح فيها أن العملية ليست في البحث عن وظيفة، أو معالجة البطالة، أو توفير الاحتياجات الأساسية من طعام وغذاء، لقد باتت أعمق، لقد طالت رأس النظام، وهذا ما حدث!