له علاقة مثيرة مع الكتاب الثقافي والفكري والديني ، وهي علاقة أفرزت عقلية مشرئبة دوماً إلى التجديد والاستنباط والتدوير المعلوماتي ، والرغبة في العثور على مكون فقهي غير اعتيادي ولا مألوف ، ربما يفزع البعض حينما يرتبط بفتوى جديدة تخترق المحظور هنا والمحظور هناك ، ورغم ذلك ، فصاحب هذه العقلية ماض في طريقه، معتبراً أن ما يقدمه الآن هو دعوة تجديدية كاملة للفقه الإسلامي . التقينا جمال البنا في القاهرة ، وسألناه عن آخر قناعته الفكرية ، خاصة فيما يخص الحالة السياسية الراهنة في مصر ,فكان هذا الحوار: الثابت والمتحول بعد هذه الرحلة الفكرية الطويلة ما الثابت والمتغير في فكر جمال البنا؟ جمال البنا كل يوم يقرأ جديداً ، وكل يوم يضيف إلى عقله شيئاً ، لكن موضوع الحرية شيء أساسي ولا يقبل التغيير أو الإقصاء ، فالحرية لدى من الثوابت وهي بالنسبة للمجتمع كالماء والهواء ، فإذا منع الهواء مات الإنسان ، وإذا امتنعت الحرية أصيب المجتمع بالشلل وغابت نهضته وغاب تقدمه وتطوره . والقضية كاملة جاءت بنص قرآني " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر " . ما السمة النوعية التي يمكن أن تتميز بها بالقياس لأفكار آخرين غيرك؟ فكري هو فكر بلا أطماع ولا نفعية ، والمطامع مؤثرة بالسلب في أي فكر ، فهى تقضي على نقائه وموضوعيته ، كما أنها غالباً ما تؤدي إلى الفرقة والشتات ، وأنا أمثل دعوة تجديدية كاملة ، والفارق بيني وبين غيري أنني أقوم بإعمال ثلاثة أشياء ؛ السنة والقرآن والعقل ، بينما يتمسك الآخرون في فتاواهم بأقوال أئمة الفقه والمذاهب دون اعتبار للفارق الزمني بيننا وبينهم والذي يبلغ 1500 سنة . ما تمر مصر به الآن هو مأساة حقيقية وكارثة ، فمصر تحولت من عروس الثورات إلى البطة العرجاء ، بعدما وصلنا إلى هذه الحالة المزرية من العشوائية والفوضوية وعدم الاستقرار ، وأي ثورة جادة في العالم تقوم على مبدأ ، ويكون لها جمهور وقائد وهي ما تسمى بالثورة الكاملة ، وثورة مصر ليست كذلك ؛ لأنها تندرج تحت ثورات رد الفعل على ما أحدثه مبارك من تراجع مجتمعي وحياتي على كل المستويات. قضايا جدلية لك قضايا جدلية مثيرة فما الهدف من إثارتها؟ أريد بإثارة مثل هذه القضايا أن أحرك المياه الراكدة في الفقه الإسلامي ، وأن أثير في العقول الغافلة نوازع التفكير المتجدد ، ولي كتاب اسمه " نحو فقه جديد " من ثلاثة أجزاء ، تتضح من خلاله ملامح فكرية وفقهية كثيرة . التجديد مطلوب لكنك في بعض الأحيان تقع في المحظور وتخالف المألوف من القواعد؟ من الخطأ أن يفهم البعض أنني أدعو إلى القفز على أقوال العلماء والأئمة القدامى كالطبري أو ابن حنبل أو غيرهما ، فهم أئمة عظماء ، لكن ما قالوا به منذ 1500 سنة ربما لا يصلح كله بعد هذه المدة ، ومن ثم لابد من إعمال فكر فقهي جديد يواكب تطورات البشر والكون ، ولكل زمان فكره وملامحه وقضاياه . ما تمر به مصر الآن من صراع سياسي سلطوي كيف تراه؟ ما تمر مصر به الآن هو مأساة حقيقية وكارثة ، فمصر تحولت من عروس الثورات إلى البطة العرجاء ، بعدما وصلنا إلى هذه الحالة المزرية من العشوائية والفوضوية وعدم الاستقرار ، وأى ثورة جادة في العالم تقوم على مبدأ ، ويكون لها جمهور وقائد وهي ما تسمى بالثورة الكاملة ، وثورة مصر ليست كذلك ؛ لأنها تندرج تحت ثورات رد الفعل على ما أحدثه مبارك من تراجع مجتمعي وحياتي على كل المستويات ، ومن ثم انطلقت دعوات " الشعب يريد إسقاط النظام " فسقط النظام ، ولكن ماذا بعد أن سقط هذا النظام ؟ عشوائية وفوضى وصراع مرير على السلطة من كل القوى ، وهذا أمر مؤسف للغاية . مع "الثورة" انطلاقاً من هذا أنت مع مصر قبل الصورة أم مع مصر بعدها؟ بالتأكيد أنا مع مصر بعد الثورة ، فلاشك أن حاجز الخوف الذي كان يعاني منه المصريون انكسر وذهب إلى غير رجعة ، هذا أفضل بلاشك ، رغم كل ما يحدث الآن . هم الآن يرددون مصطلح الدستور التوافقي .. فهل تؤيد ذلك؟ بالطبع لا ، فالدساتير لا يمكن أن تكون توافقية ، لأنها في حقيقتها مهارة تشريعية ، إذا دخلها من لا يجيد العمل بها أفسدها ، لذا فلا يصح أن نردد مثل هذه المصطلح عند الحديث عن الدستور . أبعاد خفية لكن ما السر في إثارة هذا الجدل حول الدستور؟ الجدل الدائر الآن له أبعاد خفية ، منها مثلاً أن الراغبين في أن تكون الانتخابات أولاً هدفهم وضع دستور على هواهم ، أما العقلاء فهم الذين يؤيدون وضع الدستور أولاً قبل الانتخابات . لأن الدستور هو الذي يستطيع أن يحكم الأوضاع في مصر . والإخوان المسلمون وقعوا في فخ كبير عندما سعوا للتعجيل بالانتخابات البرلمانية على حساب الدستور ، ولعلهم الآن يدفعون الثمن الآن . ميكيافيلية الإخوان على ذكر الإخوان المسلمين ، كيف ترى علاقتهم بالثورة في مصر؟ الإخوان المسلمون لو كان عندهم ضمير حي وروح إسلامية ما كانوا انتهزوا الفرص واستغلوا الثورة وقفزوا عليها بطريقة ميكيافيلية ، مكنتهم من السيطرة على البرلمان وغيره . وأنت الشقيق الأصغر لحسن البنا مؤسس جماعة الإخوان...هل خالف الإخوان الآن منهج البنا؟ الإخوان خالفوا منهج البنا مائة بالمائة ، وهو خلال خطب كثيرة كرر وقال " لسنا سياسيين ولا حزبيين ، ولكن وطنيين " وقال أيضاً " قاتل الله السياسة ، تجعل الصادق كاذباً والكاذب صادقاً " إلى آخر أقواله تلك التي نشرناها في كتاب " من وثائق الإخوان المسلمين المجهولة " ، فالبنا كان رجلاً روحياً صوفياً ، ولم يكن أبداً رجل سياسة ، ومنذ رحيل شقيقي وعلاقتي منقطعة بهم . جريمة الصراع لكن مقتل البنا يشي بأبعاد سياسية .. فإذا لم يكن سياسياً لماذا قتل إذن؟ الذي قتل البنا هو صراع الآخرين على السلطة ، وأى حكم تظهر خلاله هيئة شعبية كبيرة ، فلابد أن يأخذ إجراء ضدها ، وهذا ما حدث للبنا الذي كانت شعبيته وشعبية الإخوان تفوق شعبية حزب الوفد وقتها ، في حين كان النقراشي رئيس الوزراء تافهاً وضيق الأفق ، ومن ثم حدثت أكبر كارثة حزن في حياتي وهي مقتل حسن البنا . أنت عاصرت جميع رؤساء مصر ... ما تقييمك لهم ولعصورهم؟ أفضل فترة عاصرتها كانت في الأربعينيات ، وهي الفترة الليبرالية في ظل دستور 1923 الذي بنى جميع أمجاد مصر ، الجامعة ، أحمد شوقي ، حافظ إبراهيم ، أم كلثوم ، عبد الوهاب ، حيث كانت مصر منارة إشعاع كاملة ، وفي ظل دستور 23 كبر الإخوان ونموا ولم يضايقهم أحد . مستحيل لماذا لم ترشح نفسك لمنصب الرئاسة مثل آخرين؟ من المستحيل كرجل فكر وداعية أن أفكر في الحصول على أى منصب رسمي ، أو أن أُغلّل بوظيفة ، وهذا أيضاً انطلاقاً من إيماني بقيمة الحرية . ورحم الله أبي ، كان يدعوا قائلاً " ربي لا تجعلني وزيراً " !! . كيف استقبلت ترشح اللواء عمر سليمان لمنصب الرئاسة ، وما رأيك في علاقة العسكريين به؟ أولاً من اتهم العسكريين بأنهم وراء ترشيح عمر سليمان ، مخطئ ؛ لأن العسكر ليسوا سُذّجا ، وهم يتداركون أخطاءهم بسرعة ، ولو استمر عمر سليمان في الترشح لمنصب الرئاسة ما حصل على شيء لأنه " مجرم " ، ولك أن تعلم أن أمريكا كانت ترسل إليه بعض المتهمين الذين كانت تفشل في انتزاع اعترافات منهم ، ليعذبهم ، وينتزع منهم تلك الاعترافات ، والعسكريون يعرفون جيداً رأى المصريين في عمر سليمان . وماذا عن أيمن نور وعمرو موسى وغيرهما؟ أيمن نور رجل سياسي ، وعمرو موسى كان موجوداً ولم يفعل شيئاً وهو رجل سياسي محترف ، ورجل السياسة المحترف لا إيمان له ولا قيم ولا مبادئ ، وبما أن السياسة لعبة قذرة ، فإنه يستطيع ببساطة خداع الشعب والكذب عليه مستقبلاً . أفضل البرادعي هل تميل لمرشح رئاسي ما من المرشحين الحاليين؟ الحقيقة كنت أتمنى أن يكون البرادعي مرشحاً ضمن المرشحين ، ولكنه من منطلق نزاهته ونظافة يده ابتعد عن المنافسة ، ولو ملت لأحد فسأميل لصغار السن من شباب الثورة ، وهناك حمدين صباحي مثلاً من المميزين . أقبل الأكفأ هل تقبل أن يكون رئيس مصر القادم قبطياً؟ أنا أقبل الأكفأ والأجدر دون النظر إلى أى اعتبارات أخرى ، سواء كان قبطياً أو يهودياً أو غير ذلك . لا انقلاب هل تتوقع أن يحدث انقلاب عسكري ما في مصر خلال هذه الفترة؟ لا ، لا يمكن أن يحدث انقلاب عسكري ، لأن اللعبة السياسية لا يمكن أن تكرر نفسها ، ولو حدث مثل هذا فسيعود الشعب للميدان ، وساعتها سوف تكون الدماء للركب كما يقولون ، والعسكريون يعلمون ذلك جيداً. كيف تقيّم دور الأزهر في الثورة المصرية؟ الأزهر يحاول أن يجعل له دوراً ، ولكن لا يستطيع لأنه مربوط بسياسات الدولة ، وشيخ الأزهر الحالي كان عضواً للسياسات في عهد مبارك ، فكيف يكون للأزهر دور تحت قيادته !! وفي ثورة 1919 كان للأزهر دور كبير في الاندماج مع القوى الوطنية ؛ فكان الرهبان والقسيسون يخطبون في المساجد ، وكان الدعاة يخطبون في الكنائس ، وهكذا كانت تذوب الضغائن والأحقاد . إيران عنصرية كيف تنظر إلى تطلعات إيران في المنطقة العربية؟ الإيرانيون عنصريون إلى حد ما ، ولابد أن نعترف بوجود نوايا للمد الشيعي في المنطقة ، كما أن نوايا الشيعة تجاه السنة تشوبها العنصرية ، ورغم ذلك أقول: إن إيران دولة قوية وذكية ، وهي ليست عدوة لنا ، فعدونا الأساسي هو إسرائيل ، وإيران على عداء قوي مع إسرائيل ، والمنطق يقول " عدو العدو صديق " ويجب ان ننظر إلى إيران من هذا المنطلق. وماذا عن الدور الإيراني في سوريا؟ الدور الإيراني في سوريا موجود ، وهو يتماشى مع منطق المصالح المتبادلة بين البلدين ، لذا نجد إيران تؤيد بشارا رغم أنه ملحد ، كما أنها تعينه على مواجهة المعارضة والقضاء عليها ، وعلى كل حال سيقع النظام السوري إن عاجلاً أو آجلاً . القضية الفلسطينية لا تزال تراوح مكانها دون حل واضح .. متى وكيف تحل هذه القضية؟ اليهود لا أخلاق لهم ، وأنا لديّ حل مقترح للقضية الفلسطينية ، ربما يفيد .