روحي إلى أعلى السماءِ لها مشاويرُ كثيرهْ تمتدُّ هائمةً هناك على الدروبِ المستنيرهْ فمن القصيدةِ للقصيدةِ ليس تكتمل المسيرهْ للشِّعرِ ثمَّةَ رحلةٌ أولى، وليس لهُ أخيرهْ لا نهائيَّة الفنّ عموما –والشعر على وجه الخصوص- تأتي من لا نهائيَّة الحلم في الإنسان، وهذا ما يجعل الفنّ قائما على الإشكاليات والحيرة والضياع واللايقين والفوضى، وذلك في تناقض تامّ مع الأيدولوجيا التي تضع حلولا نهائية للحياة وتغفو على وسائدها. لذلك، دائما ما تتَّسع مساحة المقدّسات في الأيدولوجيا وتذهب إلى أقصى مداها، بينما تضمحلّ هذه المساحة في الفنّ حتّى تكاد تتلاشى، ويبقى الانتصار للجمال الإنساني هو المقدّس الوحيد في الحياة. من هذا المنطلق، فإنّ الأيدولوجيا المسترخية على أريكة من المسلَّمات تعمل على تكريس الواقع الملتحم بأفكارها، أما الفنّ العامل في حقول مكابداته فإنه دائما ما يقوم بنقد الواقع والعمل على تحسينه مهما كان هذا الواقع حسنا، وهذا هو التناقض التامّ بين حركة المتخيَّل في الفنّ وجمود المُتاح في منظومة العقائد المعلَّبة. الفنّان أو الشاعر هو مندوب الحلم الإنساني وسفير المستقبل في مملكة الحاضر.. بل هو ممثّل الأبدية وكلّ ما هو محلومٌ به إنسانيا على مدى الأجيال القادمة. الفنّان أو الشاعر هو مندوب الحلم الإنساني وسفير المستقبل في مملكة الحاضر.. بل هو ممثّل الأبدية وكلّ ما هو محلومٌ به إنسانيا على مدى الأجيال القادمة؛ أما الأيدولوجيّ –خصوصا في مجتمعاتنا- فهو حارس الماضي الأسطوري والقَيِّمُ على الذاكرة بكلّ علاّتها وآفاتها وحتَّى وحوشها المفترسة في كثير من الأحيان. وتبقى الحقيقة هي الفارق الفاصل بين الأيدولوجيا والفنّ حيث إنّ الأيدولوجيا تنظر إلى الحقيقة على أنّها نقطةُ وصول وقد أدركتها وشاطئُ راحة وقد استراحت في أحضانه. أما الفنّ فإنه ينظر إلى الحقيقة على أنها مساحةُ عمل وفسحةُ اجتهاد لا يمكن الوصول إلى نهايتها أبدا. لذلك، فهو ينظر إلى الحقيقة على أنها معنى مؤجّل دائما يبحث عنه وسرٌّ غائب دائما يحاول استكشافه.. وهنا تتجلَّى القصيدة بامتياز. وما دام الزمن ذاته مجهول الهوية، فكيف ندَّعي لأنفسنا أننا وضعنا الملامح النهائية لهويّتنا الإنسانية وانتصرنا بالوصول؟ ما دامت الحريَّة لم تستلم شهادة ميلادها وأوراق ثبوتها في هذا العالم بعد، فكيف ندَّعي أننا نحن البشر قد بلغنا من الحريّة ما لم تبلغْه هي من ذاتها؟ [email protected]