تنفرد بلادنا بعدة مظاهر تجيّر غالبا إلى خصوصية وضعها، سواء كانت هذه الخصوصية دينية أو اجتماعية أو موروثة. إحدى هذه الخصوصيات هي إغلاق المحال والمطاعم والمصالح والبنوك وجميع مظاهر التجارة والأعمال قبل وأثناء أوقات الصلاة. هذا الموضوع طرح للنقاش مرات عدة والنتيجة دائما واحدة: الحكم القطعي الوحيد شرعا في التوقف عن العمل وقت الصلاة مرتبط بصلاة الجمعة، وهو أمر منصوص عليه في القرآن الكريم. أما عدا ذلك فهو أمر خلافي فقهي ليس له سند قوي ولا حكم قطعي وإلا ما اختلف الناس فيه، بل إنه لم يرد حتى عن السابقين أو الدول الإسلامية تطبيقه منذ فجر الإسلام! ما يتعرض له المواطنون يوميا من مظاهر الضغط الناتج عن مسابقة الزمن لقضاء حاجاتهم قبل الإغلاق وقت الصلوات لهو أمر كان ولا يزال يمثل حالة نادرة من الضغط العصبي الجماعي يندر وجودها في أي مكان بالعالم. ولن أدخل في تفاصيل يلم بها كل مواطن ومقيم عندما تقفل الأبواب في وجهه، أو عند طرده من المكان، أو عند افتراش أهله للرصيف بانتظار الوقت الذي تحسبه كل جهة كيفما ارتأت لتفتح بعد الصلاة. ما يتعرض له المواطنون يوميا من مظاهر الضغط الناتج عن مسابقة الزمن لقضاء حاجاتهم قبل الإغلاق وقت الصلوات لهو أمر كان ولا يزال يمثل حالة نادرة من الضغط العصبي الجماعي يندر وجودها في أي مكان بالعالم. على الصعيد الاقتصادي يؤدي قرار إغلاق الأعمال في أوقات الصلاة إلى إطالة ساعات الدوام على السعوديين وغيرهم في القطاع الخاص، لأن صاحب العمل سيمرر هذه الأوقات إلى عامليه. في قطاع التجزئة مثلا، يبلغ متسوط ساعات العمل 10 ساعات يوميا، وأغلب منافذ هذا القطاع تتقاطع أوقات دوامها الرسمية مع صلوات الظهر والعصر والمغرب والعشاء، مما يعني فقدانها 2:45 ساعة يوميا، أي أن قطاع التجزئة السعودي الذي يفترض أن تكون إنتاجيته خلال العام 28 أسبوعاً متواصلة من العمل حقق منها مبيعات قدرت في العام 2011 بحوالي 160 مليار ريال، فعليا لم يعمل بشكل متواصل سوى 22 أسبوع تقريبا، فاقدا 6 أسابيع من الإنتاجية بمعدل 22 بالمائة، أي أن هذا القطاع خسر قرابة 45 مليار ريال نتيجة إقفال منافذه لأوقات الصلاة اليومية طوال العام! أما البنوك، فإن عدد ساعات خدمة العملاء تقلصت فيها من 7 ساعات يوميا إلى قرابة 5:30 ساعة نتيجة الإغلاق وقت صلاتي الظهر والعصر خاسرة قرابة 20 بالمائة من إنتاجيتها. فيما تخسر الدوائر الحكومية قرابة 10 بالمائة من إنتاجيتها نتيجة الإقفال وقت صلاة الظهر فقط طوال العام. هل دُرِسَت الآثار المترتبة على تطبيق هذا القرار؟ وهل للأمانات أو إمارات المناطق صلاحيات في تعديل هذا النظام حسب طبيعة المدن والمناطق لمراعاة المصالح التجارية والطبيعة السكانية أو الإمكانات السياحية؟ أما السؤال الأهم هنا فهو لماذا أجازت جهات شرعية ونظامية أمورا عدة مؤصلة شرعا بسند وإثبات قوي من باب أن الضرورات تبيح المحظورات، فيما سكتت عن قضية ليست لازمة شرعا وأضرارها الاقتصادية والاجتماعية والنفسية أكبر من نفعها؟ www.alkelabi.com twitter|@alkelabi