كشفت مرة أخرى التطورات الدراماتيكية السياسية للثورة الإلكترونية المباركة التي قادها الشباب المصري في ميدان التحرير والإسكندرية والسويس وغيرها من المدن المصرية الأخرى والتي توجت يوم الجمعة الماضي بتنحي الرئيس المصري حسني مبارك عن سدة الرئاسة وتسليم دفة قيادة الدولة إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة عن الدور الهام والمفصلي الذي تلعبه وسائل الاتصال والتواصل الانترنتية في تشكيل الرأي العام وتحريكه وحتى تثويره ضد ممارسات الظلم والقهر ومصادرة حقوق الإنسان وخنق حريات التعبير واستشراء الفساد!. لقد نجحت هذه الثورة في تحقيق كافة أهدافها من دون قائد تقليدي على أرض الواقع! فبالرغم من ضخامة الأهداف المتحققة من تنحي الرئيس، والحديث عن تلبية كافة مطالب المتظاهرين الشرعية إلا أن القائد الفعلي لهذه الثورة كان وسائل الاتصال الرقمية والقنوات التلفزيونية والهواتف المحمولة المزودة بالكاميرات. بعد إطلاق سراحه، تابعت أكثر من مقابلة تلفزيونية للناشط الانترنيتي وائل غنيم أو «وائل جوجل» حسبما يحلو للبعض تسميته في مصر، قمة خفة الدم حتى في الشدائد!. العامل المشترك الذي كان يردده وائل أن نقطة الانطلاق كانت صفحة دشنها على الفيسبوك تبرز وفاة شاب مصري في الإسكندرية على يد قوات الأمن المصرية، مضيفاً أنه وقت تأسيس هذا الصفحة وبعدها كان يعمل ويقيم في دبي كمسؤول تسويق تنفيذي في شركة «جوجل» حتى انطلقت المظاهرات في الخامس والعشرين من شهر يناير. بمعنى آخر أنه ورفاقه لم يستلزم وجودهم في موقع الحدث والمشاركة فيه في ميدان التحرير إلا عندما دقت ساعة قطف ثمار الجهود الجماعية للشباب المصري والحرص على تنفس نسمات الحرية والديمقراطية طازجة من ساحة ميدان التحرير وطرق وشوارع القاهرة والمدن المصرية الأخرى. ثورة شباب وشابات مصر بلا شك ستعيد، في غضون الأشهر القليلة القادمة المؤدية إلى الانتخابات، رسم المشهد السياسي في مصر برمته. وكعرب نراهن على أن نجاح التجربة الديمقراطية في دولة إستراتيجية كبرى كمصر ستكون له تبعات ايجابية عمقية على المشهد السياسي العربي. فخلافاً للمقولات الاستهلاكية المشروخة التي كنا نسمعها على مدى العقود الماضية كالخوف من سيطرة الإخوان المسلمين على السلطة في مصر أو استحالة إسقاط النظام المصري بسبب الدعم الأمريكي والإسرائيلي وغيره إلى جانب صلابة وولاء المؤسسة العسكرية لنظام حسني مبارك، نجد أنه في غضون أقل من أسبوعين ثبت بطلان هذه المسوغات والأباطيل الرامية فقط إلى تركيع ما يقارب 85 مليون مواطن ومواطنة مصرية وتعطيل نموهم وتطورهم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. لقد شهد ميدان التحرير أحداث ومظاهرات ولحظات فرح وحزن سجلتها وسائل الإعلام العربية والأجنبية بكثافة غير معهودة. العامل المشترك الأكثر بروزاً عند مراجعة تلك الصور أو اللقطات المصورة كان الرقي المدني المدهش الذي تحلى به المتظاهرون، فالمسلم يحافظ على سلامة المسيحي والآخر يكون سياجاً بشرياً لأخيه المسلم لإقامة الصلاة، حالات التحرش في أدنى معدلاتها، الناس تتقاسم رغيف الخبز مع بعضها البعض، حتى أجهزة شحن الهواتف الخليوية ومصدرها الكهربائي كانت مشاعة بين المتظاهرين حسبما طيرته كصورة إحدى وكالات الأنباء العالمية. كم هي رائعة إرادة الشعب عندما تستصغر الكبير المزيف وتلفظه لتزرع مكانه قيما إنسانية أكبر وأشمل من حرية وديمقراطية وكرامة حتى وإن تأخرت تلك الخطوة كثيراً. [email protected]