الكتابة الإبداعية هي محاولة من المبدع للوصول إلى حالةٍ من التوازن النفسي بينه وبين الوجود بعدما تطغى على النفس أمواج عاتية من المرارات والعذابات تكاد تقذف بالمبدع خارج دائرة ذلك التوازن. تحت مظلَّة هذا المعنى للكتابة الإبداعية يمكن لنا أن نضع نصوص الشاعر القطيفي «إبراهيم الشمر» الذي آثر أن يبقى عاملا في منجم العزلة الذاتية أكثر من ثلاثين عاما من الشعر. بعد قراءتي لواحدة من مجموعاته الإلكترونية وهي بعنوان (ما تيسَّر منِّي)، تمنَّيت لو أنَّ الشاعر إبراهيم زجَّ ببعض منجزاته في مشهد قصيدة النثر خلال فترة «التسعينيَّات» من القرن المنصرم كي يسجِّله المشهدُ ضمن شعراء ذلك الجيل. الشاعر إبراهيم أحد المحبطين الكبار بامتياز، وهذا ما يدفعه للكتابة المفتوحة دون أن ينقاد للأوزان أو يستسلم للتفاعيل، وإنما هدفه أن يسمو بهذا الإحباط إلى مستوى نصٍّ إبداعي.النصوص الإبداعية في هذه المجموعة هي نصوص سردية مفتوحة على الحياة يصعب في بعض الأحيان تصنيفها من فرط ما تتداخل فيها الأجناس الإبداعية فقد تشفُّ عبر مجازات شعرية وقد تتكثَّف مثل غيمة الخاطرة، ولكنَّ الخيط الرفيع الذي يجمع كلّ هذه النصوص هو الإحباط الذي يجثم على صدورها، ما يعني أنّ الشاعر إبراهيم أحد المحبطين الكبار بامتياز، وهذا ما يدفعه للكتابة المفتوحة دون أن ينقاد للأوزان أو يستسلم للتفاعيل، وإنما هدفه أن يسمو بهذا الإحباط إلى مستوى نصٍّ إبداعي. خذ مثالا على ذلك من نصه «جنَّة الأخطاء»: «في الضجر أقيم..كلما حاولت الهرب منه ارتداني عاريا وانتحلني صنوا، كأنه آتٍ من القيامة، ما مرت بصباي غزالة إلا وأنشب جنادبه برأسي.. تعاويذه حكمة الأسلاف ووصاياه عسف الكهنة». أو في نصّه «ترياق الأصدقاء»: «ينتبذون همومهم قصيّة ويجيئون مسرّجي قلوبهم..أرواحهم رايات مشرعة..كلما بغته تهدجت شوكة في الطريق، ارتدوا عطر نقائهم وجاءوا... كيف للصلاة ألا تصهر صلصالها وتطرِّز شالها بالغمام ،وهم أوركسترا الوعد في ظلمة الهزيع!». التدفُّق الشعوري في مقاطع بعض النصوص لا يستطيع الانتظار حتَّى يتحوَّل إلى شعر من فرط ما تفور داخل الشاعر تلك البحيرة المتَّقدة بنار الشعور، لذلك تأتي تلك المقاطع مسكونة بالعبارات اللغوية الطافحة بالشرر ولكنَّه شررٌ مباشر لا يحتمل التأويل.. خذْ مثلاً قوله في نصّ «المهرج»: «يُضحكني وهو يتأتئ في نطق مفردة البروليتاريا حين يشرح « للرفاق « النظرية الماركسية وجدواها مع أنه منذ يومين فقط كان ينعتني بالعلماني». أو نص «سجية» : «حين لا يميّز أحدهم بين الإبداع والإتباع ،فلا يتعلّق الأمر بالذكاء أو اللبس.. إنه الإحساس ليس أكثر). هذا النوع من النصوص لا تتجاوز الكتابة الآلية إلى الكتابة ذات العمق والدلالة، رغم أنَّها لا تخلو من موقف جادّ، إلا أنَّ النصّ يحتاج إلى اللقطة الخاطفة التي تكهرب الجملة وتُحيلها إلى قوسٍ قُزحيٍّ من أطيافٍ لغوية. الحديث يطول، ولكنَّ هذه الزاوية تقصر، إلا أنَّني أتمنَّى على الأستاذ إبراهيم أن يُحسن اختيار نُخبة من نصوصه ويقدِّمها للمشهد، وكلِّي ثقة أنَّ النقَّاد سوف يستقبلونها بكثير من الترحاب.