أبعاد مشروع البرجوازية الوطنية العربية المصادف لأوائل القرن الماضي، ارتكز على خطوتين متداخلتين : النضال ضد الهيمنة العثمانية الممتد لقرون بويلات القمع والتنكيل بحق الإنسان العربي. مجابهة الاستعمار الغربي المباشر بعد اتفاقية (سايكسبيكو ) المذلة. ومن البدهي أن تعمد قوى الاستعمار بعد سيطرتها على أجزاء من الوطن العربي، بالتعاون مع شخصيات محلية إلى تأسيس أجهزة ومؤسسات الدولة العربية الحديثة، بما يتفق مع الأجواء السياسية الحديثة. وكان الجيش والإدارة لهما الأولوية في الأمر وباشراف من المحتل، وقد شكل أبناء الفلاحين والعمال والبورجوازية الصغيرة والفئات المهمشة، النواة الأساسية للقوات المسلحة، ما أحدث نقلة نوعية في وعي هذه الشرائح الطبقية من المجتمع. تجاوز المدونون كل وسائل الإعلام التقليدية والأحزاب العاجزة عن تطوير ذاتها، وتحولوا إلى نشطاء للتحرر ومصدر للمعلومات، فأطلوا على الفضائيات، واستخدموا الشبكة العنكبوتية للكشف عن آخر التطورات في ساحات الثورات العالمية والكشف عن مظاهر الفساد، وأنواع التعذيب وغير ذلك، وصاروا نخبا جديدة تلهب عواطف الشباب، ليس بالشعارات وإنما بالمعلومة الراسخة، وقادوا حركة الجماهير وعند انسداد الإصلاحات في مشروع البورجوازية الوطنية المندغمة بالمشاريع (الكولونيالية) وبالذات مسألة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والاستقلال الوطني الناجز المتعارض مع مصالح المستعمر (الاقتصادية والسياسية ) وتفاقم الأزمة الفلسطينية بنتائجها المختلفة، أطلت البورجوازية الصغيرة برأسها واحتلت مكانا مهما في الفضاء السياسي العربي، تحت صهيل الشعارات القومية والسياسية وبأحزابها ومنظماتها (القومية واليسارية) مستفيدة في الغالب من التراث الفكري (للشوفينية الغربية والاشتراكية الحديثة) وانقسام العالم إلى معسكرين متصارعين بما يمثلانه من فكر وخطابين سياسيين متناقضين. وكرد فعل على الواقع العربي المشين، زحفت نخب البرجوازية الوسطى الريفية والمدينية إلى مراكز السلطة والنفوذ ( العسكرية والإدارية ) على حساب بورجوازية المدينية ما أفضى إلى قلب القيم ونمط الحياة في المجتمع، لذا عبرت هذه الشريحة العريضة عن عدم رضاها على هذا الواقع بتدشين انقلابات عسكرية، بعضها وصل إلى سدة الحكم بقطارات وأموال ومشاريع استعمارية، وبعضها جسد مهام التحرر الوطني، فكان التحرك المغامر للعقيد بكر صدقي بالتعاون مع ملك العراق غازي عام 1937م ضد وزارة ياسين الهاشم لرفضها تسليح الجيش العراقي من المانيا وأيطاليا، ثم أعقبه انقلاب حسني الزعيم في مارس 1949م لدواع اقتصادية وسياسية غربية، وانطلقت سلسلة الانقلابات والثورات العربية المختلفة إلى أن استقرت الأمور بيد النخب الفاعلة من (البورجوازية الصغيرة ) وتفردت بالحكم لعقود من الزمن عن طريق استخدام أنواع الشعارات ( الديماغوجية ) الميتة والتلاعب بعقول الناس، مستفيدة بانتهازيتها وذكائها من الصراع الدولي وأساليب القمع والفساد والتزاوج بين المال والسياسة، وتدوير الزوايا، والتلاعب بالدساتير الوهمية، ووجود أحزاب معارضة هرمة لتشكل (اكسسوارات ) للحكم، وباشرت هذه الأنظمة تأسيس أحزابها الوهمية، كواجهة لحكم الفرد، لتبقى في سدة الحكم لأطول فترة ممكنة، عبر تصفير العداد كما يقال أو التوريث، دون أن تعي طبيعة التغيرات التي تحدث في مزاج الناس، وما يحدث على الصعيدين الدولي والاقليمي. ولأن العالم أصبح قرية على مستوى التواصل الإعلامي والعلمي، ومع تزايد التعليم وتطور الثقافة، واستخدام وسائل الاتصال الحديثة، حيث لعب «الانترنت» دورا مهما في تداول المعلومة المعرفية والسياسية بصيغة عقلانية ترسخ في الذهن ، ما أدى إلى وجود نخب سياسية جديدة خارج الأطر السياسية البارزة على السطح تطرح مفاهيم ومصطلحات جديدة، تخص حقوق الإنسان والرأي والرأي الآخر والعدالة الاجتماعية، وحقوق الأقليات واجتثاث الفساد وغيرها من الأطروحات الحداثية المعاصرة التي أصبحت إشكاليات للإنسان المعاصر. أمام هذا المشهد تجاوز المدونون كل وسائل الإعلام التقليدية والأحزاب العاجزة عن تطوير ذاتها، وتحولوا إلى نشطاء للتحرر ومصدر للمعلومات، فأطلوا على الفضائيات، واستخدموا الشبكة العنكبوتية للكشف عن آخر التطورات في ساحات الثورات العالمية والكشف عن مظاهر الفساد، وأنواع التعذيب وغير ذلك، وصاروا نخبا جديدة تلهب عواطف الشباب، ليس بالشعارات وإنما بالمعلومة الراسخة، وقادوا حركة الجماهير ، مع ما هنالك من نقص في التجارب السياسية. ومع احتمال تحول البعض إلى عناصر مضادة، كما حدث بالهبة الشبابية الفرنسية بالستينيات من القرن الماضي، ومع كل الاحتمالات والافتراضات الوارد حدوثها. فقد صار لهم شأن عظيم فيما يحدث الآن على المستوى العربي، فهل ذلك أزمة أنظمة سياسية انسدت كل الآفاق أمامها أم أزمة الطبقة البورجوازية الصغيرة المتذبذبة ؟!. [email protected]