ينتظر المصريون، ومعهم ربما العالم، يوم السبت 2 يونيو المقبل، ما سينطق به القاضي المستشار أحمد رفعت، رئيس محكمة جنايات القاهرة المختصة بمحاكمة الرئيس السابق حسني مبارك، ونجليه ووزير داخليته وستة من كبار معاونيه، ومعهم رجل الأعمال الهارب حسين سالم، المتهمين في قضية قتل المتظاهرين. ورغم أن الشكوك حول المحكمة كثيرة، كذلك إجراءاتها، والاتهامات التي توجّه بالمماطلة وعدم الحسم، إلا أن الكواليس الجارية تشير إلى مأزق حقيقي وضغوط هائلة يتعرّض لها المجلس الأعلى الذي يُقال إنه يواجه «عش دبابير» سواء من الجماهير التي تزيد الضغوط عليه، أو من تياراتٍ داخلية تعكس آراء متعددة، وربما هذا ما فسّره البعض حين تخلى المشير عن رجله القوي داخل المجلس، اللواء إسماعيل عتمان، لأسباب ليس هذا مجالها.المفكر الإسلامي «فهمي هويدي» لخّص المأزق بقوله إن «إعدام الرئيس مبارك صعب، وبراءته صعبة أيضًا»، معتبرًا أن المجلس العسكري يحاول مصالحة الشعب المصري في قضية مبارك، بشكل أوضح فإن المأزق أو الورطة كما أفصح عنها مقرّبون من المجلس العسكري ل(اليوم) تتلخّص في أن مبارك سيواجه في حال إدانته، عقوبة الإعدام، وهو ما لن تقبل به تيارات عديدة وقيادات رفيعة في القوات المسلحة، ولن توافق «أبدًا» على تعبيرهم بأن يروا جثمان رئيسهم السابق وقائدهم الأعلى يتدلّى من حبل المشنقة، أما التوقّع الذي لا يريد أحد أن يتحمّل وزره فهو أنه في حال تبرئته فستشهد مصر ثورة أخرى؛ ستكون أشد عنفًا.«ورطة لن يحلّها سوى الله» هكذا قال خبير قانوني كبير ل(اليوم) في إشارة خفية إلى أن وفاة مبارك المفاجئة قد تكون حلًا مرضيًا لجميع الأطراف، المجلس العسكري ومعه الجيش، الذي يعتبر مبارك أحد قادته الكبار، والجموع الثائرة التي حمّلت ولا تزال تحمّل الرئيس السابق كل شيء بحق أو بدون حق لدرجة أن صحيفة مصرية نشرت صورة لمواطن وهو يحمل اسطوانة غاز وقالت إنه يبكي، ولذا يستحق مبارك الإعدام حسب وجهة نظر الصحيفة، وكذلك القضاء، الذي يجد نفسه لأول مرّة في مواجهة مع أكبر رمز من رموز البلد، يستلقي على سرير طبي في قفص حتى وإن حمل لفظ «رئيس سابق».. شوهد لأول مرة خلف القضبان في أول سابقة في التاريخ المصري القديم والحديث معًا. صحيح أن مصريين كثيرين يرون أن الإعدام هو الحكم العادل على مبارك، وأن أسر شهداء ومصابي الثورة لن يرضوا بغيره، إلا أن هناك اتجاهات عديدة، تؤكد أنه ليست هناك «أدلة قوية» يمكن أن تقنع المحكمة بالإعدام لغياب الدليل المادّي. لماذا 2 يونيو؟ هذا هو السؤال الذي يتردد على ألسنة المصريين الآن، ولماذا لم يكن موعد النطق بالحكم في مارس، كما كانت تشير كل التوقعات القانونية؟الإجابة، جاءت من صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية، التي قالت في افتتاحيتها يوم الخميس الماضي، إن قرار المستشار أحمد رفعت، رئيس محكمة جنايات القاهرة بتحديد جلسة 2 يونيو المقبل للنطق بالحكم على مبارك «يهدف إلى تجنب تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية التي ستنطلق في شهر مايو المقبل». قد يكون هذا صحيحًا، فاحتمالات تأخير جلسة الحكم، إلى يونيو، أي قبل 4 أسابيع فقط، من الموعد المحدّد لتسليم السلطة لرئيس مدني، كما تعهّدت القوات المسلحة، تعني ضمنيًا أيضًًا أن المجلس الأعلى يريد أن يُخلي مسؤوليته من أي قرار تنفيذي لو صدر الحكم بإعدام مبارك ويعلقه برقبة الرئيس المنتخب المقبل، ولكن تبرير التأخير كما أعلن من وجهة نظر قضائية يعود ضخامة حجم أوراق وملفات القضية والتي تجاوزت 40 ألف ورقة ومستند، لا يبدو مقنعًا للكثيرين، خاصة الناشطين السياسيين الذين اتهموا المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالتقصير فى المحاكمة؛ وأنهم لم يقدّموا باقى رموز النظام السابق المتهمين فى قضايا فساد وقتل الثوار للقضاء، وأنه «لم يتمّ سوى إدانة أحد ضباط الشرطة غيابيًّا فى قتل المتظاهرين فيما تمت تبرئة آخرين». بين رفعت ورزكار رغم أن العُرف القضائي، سار على عدم إحالة أي قضايا للمستشار المُحال على المعاش قبل خروجه بثلاثة شهور، إلا أن المستشار أحمد رفعت، رئيس محكمة جنايات شمال القاهرة، الذي ينظر القضية مستمر في إجراءاته، كما أنه ‹›لن ينظر أي قضية أخرى بعد إصدار حُكمه في 2 يونيو، بسبب خروجه على المعاش يوم 30 من الشهر نفسه››. كما أنه حسب مصادر استئنافية ينوي إصدار حيثيات حكمه خلال نفس جلسة النطق بالحكم.كثيرون من المصريين، يشبهون المستشار رفعت، بالقاضي العراقي الشهير، رزكار محمد أمين، الذي تولى في فترة من الفترات جلسات محاكمة الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، مستعيدين أوجه الشبه الكثيرة، في الهدوء والثقة، وإدارة جلسات المحاكمة، إلا أن الرهان الكبير يأتي على رفعت هذه المرة، خاصة أن القاضي العراقي رفض الحُكم بإعدام صدام، فتمّ استبداله ليحل محله رؤوف رشيد، الذي بدا مسيّسًا تمامًا.. لدرجة أنه يُقال في مصر الآن، إن المستشار رفعت لن يحكم بإعدام مبارك.عزّز ذلك، ما أشار له عدد من المحامين المشاركين بالقضية، سواء المدّعون أو دفاع المتهمين، الذين اعتبروا تحديد جلسة الحكم بعد 100 يوم من آخر مرافعة ‹›قد يعني أن القاضي لم يشكّل قناعة في القضية بعد››، مُبدين تشككًا في تدخل الجانب السياسي في القضية.وربما هذا يفسّر حالة الارتياح التي سادت وجوه المتهمين عقب انتهاء جلسة الأربعاء، خاصة مع ابتعاد موعد جلسة النطق بالحكم، لأنهم كانوا يتخوّفون وفق مصادر مطلعة من إصدار الحكم في نفس الجلسة، وهو ما بدا على نجل الرئيس السابق، علاء، والذي ابتسم عقب قرار المحكمة بتحديد جلسة 2 يونيو، إلا أنه غضب بعد أن عرف أن الجلسة ستكون مذاعة على الهواء مباشرة. براءة صعبة.. إعدام صعب! صحيح أن مصريين كثيرين يرون أن الإعدام هو الحكم العادل على مبارك، وأن أسر شهداء ومصابي الثورة لن يرضوا بغيره، إلا أن هناك اتجاهات عديدة، تؤكد أنه ليست هناك «أدلة قوية» يمكن أن تقنع المحكمة بالإعدام لغياب الدليل المادّي، مع العلم بأن شهادات عمر سليمان النائب السابق للرئيس، ورئيس المجلس الأعلى المشير طنطاوي قد برّأت مبارك تقريبًا من إصدار أوامر بقتل المتظاهرين، أو أكدت عدم علمها بشيء من ذلك. وهو ما أكّدته الواشنطن بوست الأمريكية أيضًا، التي نسبت لناشطين مصريين شعورهم بالقلق من الحُكم المنتظر، والذي يرجّح أن أدلة الإدانة ليست قوية بما فيه الكفاية لضمان إدانة مبارك، كما أن تأخر النطق بالحكم يُثير بعض المخاوف. وهو ما عبّر عنه أحد محامي المدّعين بالحق المدني حين قال: إن النيابة العامة قدّمت قضية ضعيفة والحكم ليس في حاجة إلى فترة طويلة من المداولات للنطق به. وهو ما اختلف معه عميد كلية الحقوق بجامعة القاهرة، الدكتور محمود كبيش، الذي علّق بقوله إن «القضية متشعبة والمتهم فيها عدد غير قليل من الاشخاص» لذا يكون كل هذا الوقت، مشيرًا إلى أنه سيتم الطعن على الحكم امام محكمة النقض سواء كان بالإدانة او البراءة والتي ستأخذ وقتها ايضًا فى نظر القضية لتصدر حكمها النهائي. النائب البرلماني، المستشار محمود الخضيري نائب رئيس محكمة النقض السابق، أشار إلى أن الاتهامات التي تواجه مبارك إذا ثبتت عليه فإن المحكمة قد تصدر في حقه حكمًا بالإعدام.. نافيًا عدم تنفيذ الحكم بسبب سن مبارك الذي تجاوز الثمانين، وأضاف إن الحالة الوحيدة التي لا يجب فيها تنفيذ الحكم بعد صدوره أن يكون المتهم مريضًا أو امرأة حاملًا، فيرجَأ التنفيذ الى ما بعد شفاء المريض أو وضع المرأة. الخضيري قال أيضًا إن الحالة التى يوضع فيها سن المتهم في الاعتبار فهي قبل صدور الحكم من الأساس.. وهي أن يكون المتهم قاصرًا أي سنّه لا يتعدى 18 سنة.. مضيفًا إن هناك دولًا كثيرة لا تنفذ حُكم الإعدام فيمن هم فوق 75 سنة، واستدرك «لكن مصر مختلفة عنهم».ويتفق مع هذا الرأي، المستشار محمد عيد سالم نائب رئيس محكمة النقض السابق، والدكتور أحمد فوزي أستاذ القانون الدستوري، اللذين قالا انه لا توجد نصوص أو قوانين تمنع تطبيق حُكم الإعدام على متهمين عقب بلوغهم سن معيّنة مشيرًا إلى أن النصوص أكدت على انه فقط لا يجوز تنفيذ حُكم الإعدام فيما لا يقل عن 16سنة دون وضع حدّ أقصى حتى لو تخطى سن المتهم 84 عامًا. واعتبرا أن التقرير الصحي هو فقط ما سيرجئ التنفيذ.من جهته، وبينما يؤكد الدكتور أيمن سلامة أستاذ القانون الدولي العام بجامعة القاهرة، أن القانون الدولي لا يمنع إعدام مبارك؛ لأن قضيته تعتبر قتلًا جماعيًّا وهي جريمة دولية «لا وطنية» يشير الدكتور أحمد سعد أستاذ القانون بجامعة القاهرة، إلى «أننا من الممكن أن نفاجأ ببراءة مبارك؛ لأن جميع الجرائم التي يتم تداولها ويعاقب عليها القانون لم يتم إثباتها في أوراق القضية» وعن إمكانية تنفيذ الحكم كشف أنه لا يوجد نص بإعفاء كبير السن من العقوبة وقال ساخرًا «وإلا كان كل واحد اتفق مع شخص مسن لتنفيذ جرائم القتل ويتم اعفاؤه من الإعدام».