"قِصصٌ تُكتَبُ بالإبر على مآقي البصر لتكون عبرةً لمن أعتبر"- شهرزاد. وحياةُ بعض من الناس من تلك العِبَر. لمّا أرثي أخي ورفيق حياتي وابن خالي "صلاح بن إبراهيم السحيمي" فإني، من كل قلبي، أريد أن أنقل واحدةً من أمانيه بألا يكون التعبيرُ اندلاقَ عاطفةٍ على ورق- وهذا ما لا أستطيع صدّه- ليكون فيه للناس رؤية، ومدعاة للتأمل، ولو قليلا.. "صلاح السحيمي" كاد أن يكون رجلا بسيطا أمثلا، فهو لم يكذب في حياته، ولم يفشِ سرّاً في حياته، بل أنه لا يُفصِح عن ما تقوله له أكان سِرّاً أم من نهر الشيوع. وهو لم يصطدم أبداً مع أحدٍ في حياته، بل حتى لم يدخل جدلا ولا نقاشا لا يعنيه مباشرة طيلة حياته.. ولك أن تسأل أي مصلحة رسمية أو غير رسمية، وستجد أن واحدا من أنظف الملفات ينتمي لصلاح السحيمي، الذي لم يرتكب مخالفة في حياته، ولم يخرق نظاماً في حياته.. فوق حبّه للنظام كان يقول: "إني صاحب نفس مرهفة عزيزة وشديدة الحساسية، ولا أحتمل أن يوجه لي أحدٌ لوماً مهما قل أو صغر.. فأحترم الناسَ والقوانين كي أصون الاحترامَ لذاتي." لك أن تسأل أي مصلحة رسمية أو غير رسمية، وستجد أن واحدا من أنظف الملفات ينتمي لصلاح السحيمي، الذي لم يرتكب مخالفة في حياته، ولم يخرق نظاماً في حياتهصلاح السحيمي في الوفاء وجذب قلوب الآخرين أسطورة من الأساطير. لا تسألني أنا، ولا تعتدّ بشهادتي، فحبّهُ فاض عن قلبي وغمر كل وجودي، ولكن اسأل كل من عرفه؛ اسأل أصدقاءه الذين لم يتغير واحدٌ منهم طيلة حياته، إلا من استودعه الله، اسأل الطبيبَ الاستشاري الإنسان بمستشفى الملك فهد "أحمد الصغير" الذي تعلّق به من أول لقاءٍ وسمّاه "الرجل الماسة"، اسأل من عمل معه من الممرضين والممرضات، حتى أن واحدة اتصلت بي تبكي معزيةً وتقول أنها لم ترَ في حياتها مثله وأنها أخذت على يده أكبر دروس حياتها، ولم تكن تعرفه من قبل. وبما سألت العاملين البسطاءَ في محلات صديقيه "عماد المعيبد" و"محمد العليوي" لينقلا لك كيف كان هؤلاء البسيطون يتقافزون فرحا لقدومه، وكيف انهاروا بكاء لرحيله الأخير.. سيخبرك عبدالله السالم المحفوظ ابن عمته كيف انهار على يديه العاملُ البسيط الذي ينظف الشارع أمام بيته لما أخبره عن رحيل من كان كل يوم يقابله مبتسما مصافحا وداعيا.. سيخبرك زملاؤه في العمل كيف اجتمع الكلّ على حبه، وستسمع من يقول لك: أنه لم يتأخر ثانية واحدة، لا يوم، لا دقيقة عن وقت عمله طيلة خدمته.. كنت معه بالمستشفى، واضطررتُ أن أذهب للرياض، فاستأذنته يوما وأعود، فقال: "لا تتأخر علي، دعوتُ ربي أن أموتَ هذه الجمعة.." مرة أخرى صلاح السحيمي يرحل تماما بوقته، وصدق بما وعد، وكأن الله تعالى معه في صفاته حتى النهاية.. وارتقى السماءَ بذات الجمعة! [email protected]