ليس غريبًا على ضمير الأمة، عبدالله بن عبدالعزيز، أن يعلن بإلغاء الأوبريت الغنائي للمهرجان الوطني للتراث والثقافة لهذا العام، تضامنًا مع مآسي وأحزان الشعب السوري، الذي يعاني من حملات قتل وتنكيل من قبل نظامه الإجرامي.. وما يحدث من سفك لدماء الأبرياء وترويع للآمنين، وكذلك استشعار لأحزان أشقاء آخرين، في مصر، إلى جانب ما جرى ويجري في اليمن وليبيا الشقيقتين من أحداث مؤسفة ذهب ضحيتها العديد من الأبرياء، وما مرَّت به تونس الشقيقة من أحداث مؤلمة. هكذا عوّدنا المليك القائد.. وهكذا تعوَّدنا أن نكون معه كمواطنين على نفس الخط.. لِمَ لا، ومقامه الرفيع يمثل حالة نادرة من التواصل الإنساني، والشعور القومي والأخلاقي بما يعانيه أشقاء لنا، يشاركوننا المصير ووحدة الألم والأمل في نفس الوقت. ليس هذا فقط، بل إن قرارًا رفيعًا كهذا، يجسّد قمة المشاعر الإسلامية الخالصة، والتي تكوّن في مجملها الحس الإسلامي بالجسد الواحد، الذي «إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» كما قال الحديث النبوي الشريف. وهكذا أيضًا يجسِّد عبدالله بن عبدالعزيز، مجمل المواقف السعودية الأخلاقية التي نتمتع بها على هذه الأرض الطيبة، فكيف لنا أن نحتفل وأشقاء لنا في الدين واللغة والتاريخ يعانون ويتألمون؟ بأفعاله تلك، يُعلي عبدالله بن عبدالعزيز، من قيمة الشعور الإنساني الرائع والمتدفق حيويّة ومشاركة، ويضيف إلى سجله الضخم رصيدًا غير مسبوق، يكون جديرًا بأن يجعله في مصاف الزعماء التاريخيين للأمتين العربية والإسلامية، سواء في أقواله أو أفعاله ومساهماته ودعمه الهائل لكل ما هو إنساني وأخلاقي على هذه الأرض. وهنا، لا بد من ملاحظة أن المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين، من أولى الدول التي وقفت وتقف بجانب الشعوب في مآسيها، وتعطي النصح والدعم كي تجتاز بعض دولنا العربية ما يمرُّ بها من ازمات، بضمير مخلص، وليس بحثًا عن شهرة أو مجرد تسجيل مواقف. فالموقف السعودي تجاه ما يحدث في سوريا، سبقته نصائح كثيرة لرأس النظام هناك، وأعقبته رسائل كثيرة، ولكن على من لا يسمع النصائح المخلصة، ويجرّ بلاده نحو الخراب، أن يدفع ثمن عناده وتكبّره وغطرسته، ولهذا رفضت المملكة أن تكون شاهد زور على ما يحدث على الأرض السورية، وسحبت مراقبيها من البعثة العربية، لتضع الجميع أمام مسؤولياتهم أمام جرائم القتل الممنهج والمنظم التي يرتكبها نظام الأسد في دمشق. وعندما تقف المملكة اليوم، لتشارك الأشقاء في مصائبهم، فإنما تؤكد، ويؤكد معها قائد مسيرتها، أن الأخلاق لا تتجزأ، وأن المشاعر غير انتقائية، إضافة إلى أن هذه البلاد، بقيادتها وشعبها، تقدّم النموذج والمثل على كيف ينبغي أن يكون الجسد العربي واحدًا، دون شعارات برَّاقة، أو مجرد الاكتفاء على ما يحدث مع بعض عبارات الأسى، كما يفعل البعض.