في مفهوم العلاقات الدولية، تكون «المصالح المشتركة» الأساس الناجح لديمومتها واستمرارها، وهذه المصالح سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو أمنية، محط اهتمام كل دولة قادرة على بناء الثقة في إمكانياتها أولاً، ومن ثمَّ قدرتها على التفاعل والبناء مع جميع الدول، بما يعكس رصيدها وثقلها الذاتي والإقليمي والدولي. ولأن المملكة منذ تأسيسها الحديث، استطاعت بناء جذور راسخة لمجمل علاقاتها تقوم على الندية والشراكة والاحترام المتبادل، وعدم التدخل في شؤون البلدان الأخرى، وكذا العمل على تحقيق كل ما يوفر السلم والاستقرار الدوليين، فهي تحصد اليوم ثمار هذه السياسة البناءة، تأسيساً على رؤية قيادة منهجية ترسخ لسياسة متكافئة مع الجميع، بما يحقق مصالح وطنها وشعبها أولاً، في خضمِّ عالمٍ مليء بالمتغيرات والاضطرابات والتناقضات. وفي هذا السياق، تأتي زيارة ولي العهد الراهنة إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، انعكاساً لتاريخ قديم ومتجدد، وتأكيدا لشراكة طويلة لا يستهان بها في مجالات الأمن القومي والتجارة والاستثمار والثقافة والفنون، وزيادة فرص التجارة والاستثمار، ونشوء قطاعات أعمال جديدة بما في ذلك صناعة الترفيه والسياحة والطاقة المتجددة إضافة للتصنيع الدفاعي. وخلال 5 أيام فقط، استطاع ولي العهد وفي قلب واشنطن رسم صورة مغايرة تماماً لنموذج العلاقات السعودية الأمريكية، لتقوم على الشراكة، وليس مجرد التحالف الاستراتيجي الوثيق، وبالتالي نحن أمام شراكة ثنائية متعددة المحاور ومتنوعة الأهداف سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا واستثماريًا وتجاريًا، قامت منذ العام 1945 بين دولتين رئيسيتين بغض النظر عن نوع الإدارة الرئاسية أو طبيعة الحزب الحاكم في الولاياتالمتحدةالأمريكية. وهو أمر يجنبها الهزات المعتادة في العلاقات السياسية الدولية. ومن يتعمق أكثر في لقاءات ونقاشات سمو ولي العهد في واشنطن مع عديد من المسؤولين، سيجد أنها تناولت حزمة كبيرة للغاية من القضايا، وعلى رأسها جهود مكافحة الإرهاب والتطرف، وكيفية مواجهة ما يمثله النظام الإيراني من تحدٍ سافر وتهديد واضح لكافة الجهود الدولية الساعية لبسط الأمن والاستقرار، إضافة لتعزيز فرص ومكتسبات الاستثمار الثنائي وتعميق الشراكات الاقتصادية والدفاعية والعسكرية، دون أن ننسى الإشارة إلى لقاءات سموه بأعضاء الكونغرس وشهاداتهم المؤثرة في إيجابية العلاقات السعودية الأمريكية. ولم يتوقف ولي العهد عند حدود العاصمة واشنطن، ولكنه يركز في جولته في الساحل الغربي الأمريكي على حوارات صنع المستقبل، لذا كانت التقنية والاقتصاد المعرفي والتكنولوجيا محور لقاءاته مع كبار التنفيذيين للشركات الضخمة في قطاع التكنولوجيا والاقتصاد المعرفي، والتي تتيح لرؤية 2030 مناخات مميزة للتعاون في هذه المجالات. كما تحمل زيارته إلى محطات اخرى ولقاءاته مع رجالات النفط في الشركات الأمريكية إشارات مهمة جداً في بحث تطوير الطاقة البديلة كجزء من أهداف تنويع الطاقة وخلق علاقات جديدة وقيمة مركزية بين الشركات السعودية والأمريكية. لهذا، وفي مجمل العلاقة بين القيادتين السعودية والأمريكية، نلمح التقارب الواضح في التوجهات العامة وتناول الملفات الشائكة والمتشابكة التي تشغل العالم حالياً، وعلى رأسها الإرهاب والتهديدات الإيرانية وخطورتها على المنطقة والعالم. باختصار، نحن في سياق صنع تقارب جديد وأكثر متانة، يدشنه ولي العهد في الولاياتالمتحدة، يستند إلى ما رسخه الآباء المؤسسون للسعودية الحديثة، وعلى ما يرسمه بجدارة ملك الحزم والعزم سلمان بن عبدالعزيز، ويوثقه صانع الأمل السعودي الجديد محمد بن سلمان بن عبدالعزيز في كل خطواته الواثقة والجريئة والواضحة.