من وجهة نظري الشخصية ما زلت أرى أن توطين المهن في الوقت الحالي أجدى بكثير من توطين القطاعات بشكل كامل، وهذا ما ننتظره من وزارة العمل في مبادراتها القادمة، والتي من المهم أن يشملها التحفيز بشكل أكبر للمنشآت المتميزة في تطبيق مبادرات التوطين، ولذلك من المهم أن يتم البدء بالإعلان عن تقويم لتوطين بعض المهن في العام القادم وإيقاف الاستقدام عليها؛ لإتاحة الفرصة للمُعطلين السعوديين أصحاب المؤهلات وتوظيفهم بالمهن التطويرية، بدلا من التركيز على دفعهم للعمل في وظائف بعيدة عن تخصصاتهم. وزارة العمل في عهد الوزير السابق قامت بعمل تشخيص لحال سوق العمل السعودي، وكانت نتائج التشخيص مذهلة فيما يخص سيطرة بعض الجنسيات على بعض المهن وخاصة المهن التطويرية، واتضح من نتائج الدراسة افتقارنا لكوادر سعودية مهيأة في بعض المهن التطويرية ذات المردود المالي الممتاز، وهذا ما يسمى بالانكشاف المهني والذي من خلاله قامت الوزارة بتشخيص الواقع فيما يخص القوى العاملة المحلية الحالية لشغل تلك المهن، بالإضافة لأعداد القوى العاملة التي من الممكن أن تشغل تلك الوظائف على المدى القصير، وكوجهة نظر شخصية أرى أنه من المهم أن تكون قرارات توطين المهن تنبع من نتائج هذه الدراسة المهمة. التركيز على توطين القطاعات وعدم العمل على توطين المهن لن يكون تأثيره مثل ما نتأمل في معالجة قضية البطالة وتحقيق الهدف الإستراتيجي الثامن لوزارة العمل في برنامج التحول الوطني، وتأثير ذلك يؤدي لدوران المتعطلين في دوامة بين الوظائف التكميلية الهامشية التي تفتقد للاستقرار الوظيفي وبين الخلافات العمالية، ولن يجدي ذلك في رفع معدلات التراكم المعرفي للأيدي العاملة السعودية في القطاع الخاص إذا كان توجهنا التعامل مع ثروة بشرية. في الأشهر الماضية، كانت هناك تحركات رائعة بالتنسيق بين وزارة العمل وبعض الوزارات فيما يخص توطين بعض المهن وإيقاف الاستقدام عليها، وأتمنى أن تشمل المرحلة القادمة إيقاف الاستقدام لكثير من «المهن اللائقة» ذات المردود المالي الممتاز، بدلا من التركيز على توطين القطاعات بشكل كامل، وأنا أتفق مع أي توجه لتوطين أي «مهنة لائقة» كما ذكرت وزارة العمل في أحد أهدافها في وثيقة التحول الوطني، وأتفق مع أي توجه لتغيير مسار العاطلين من حملة التخصصات غير المرغوب فيها وتشبع منها السوق وذلك من خلال العمل على مبادرة البرنامج الوطني للمهارات والذي كتبت عنها سابقا في أحد المقالات. من إطلاعي على أوضاع سوق العمل في الفترة الماضية وزيارتي لعدد من معارض التوظيف، بالإضافة لإطلاعي على نشرات سوق العمل الدورية التي تصدرها الهيئة العامة للإحصاء، أرى أننا في الوقت الحالي من المهم أن نبدأ بتوطين جميع المهن التي تندرج تحت تخصص الموارد البشرية ومهن القانون والمحاماة بالإضافة للمهن التي تندرج تحت تخصص الصحة والسلامة والتي تشهد طلبا كبيرا عليها خصوصا مع النقلة النوعية التي يشهدها القطاع الصناعي في المملكة، وهذه المهن نجد أن مسارها الوظيفي مميز وسيساهم في تحقيق العديد من الأهداف التي تعمل عليها وزارة العمل، وأنا على يقين بأنها ستوفر عشرات الآلاف من الفرص الوظيفية اللائقة ذات المردود المالي الممتاز للسعوديين. من المهم ألا نقسو على المتعطل صاحب المؤهل بالدفع لتوظيفه في وظائف ليست بتخصصه دون دعمه في تحويل مسار تخصصه بما يتواءم مع متطلبات السوق؛ حتى يكون منتجا بالمعنى الحقيقي الذي نتطلع له، ولدينا العديد من الباحثين عن العمل والمتعطلين في تخصصات من الممكن أن نقول إن السوق تشبع منها، ولذلك التوجه لتحويل مسار المتعطلين أصبح ضرورة قصوى من المهم ألا نتأخر في البدء فيها. ختاما.. عندما نتحدث عن توطين المهن، يعني أننا نتحدث عن توطين وظائف تطويرية وليست تكميلية وهامشية، ويكون معدل أجورها في سوق العمل «والذي يمكن الحصول عليه من خلال دراسات ومسح للأجور» يتجاوز خط الكفاية الذي يتم الإعلان عنه رسميا، وبذلك ننتقل للجانب النوعي بدلا من الكمي في قرارات التوطين.