كنتُ أترقب مباراة منتخبنا الوطني مع المنتخب العراقي على أحر من الجمر، ليس من الباب الرياضي، بل من باب الهدف الأسمى الذي سعت له قيادتنا الحكيمة، بتأصيل العلاقات القوية والمتينة التي تربط الشعبين الشقيقين. لا أخفيكم أنني كنتُ متخوفًا مما يمكن أن يحدث في تلك الأمسية، فظروف المنطقة والتوترات المتلاحقة والتدخلات الخارجية، كلها عوامل كانت من الممكن أن تؤثر على الجو العام للقاء. لكن ومع أولى اللقطات التي بثتها القنوات التليفزيونية من ملعب «جذع النخلة» في البصرة، تيقنت بأن غياب المنتخب السعودي عن ملاقاة الأشقاء في العراق لأربعة عقود، لم يؤثر على حرارة المشاعر، التي تجسّد المحبة والعواطف الجياشة بين الرياضيين العراقيين والسعوديين. حسنًا فعلت القيادة الرياضية في المملكة العربية السعودية بقيادة معالي المستشار تركي آل الشيخ، الذي ترجم الرغبة السامية بتأكيد وتوطيد العلاقات بين سعودية الحزم والعزم، وعراق الحضارة والعروبة والشهامة. لقد كان الحضور الجماهيري الكبير أكبر دليل على عمق تلك العلاقات، وعلى أنه «لا» الحروب ولا الظروف ولا التدخلات الخارجية، قادرة على التأثير على روابط الأشقاء العرب. ما زلنا نردد أشعار أبي الطيب المتنبي ومعروف الرصافي والسياب والجواهري والبياتي وصفي الدين الحلي ونازك الملائكة، وما زال كبار السن منا يعتقدون أن حضيري بوعزيز هو المطرب الوحيد في هذه الدنيا عندما يغني «عمي يا بياع الورد»، أما ناظم الغزالي بصوته الجهوري في أغنيته الشهيرة «فوق النا خل فوق»، فإنه ينقلنا من ماض جميل إلى حاضر أجمل، حتى إذا ما وصلنا إلى محطة الشجن والحنين، ورددنا «مرينا بيكم حمد واحنا بقطار الليل»، أو «يا طيور الطايرة»، تذكرنا أنات ياس خضر وسعدون جابر. لم تكن أمسية عادية، ولا مجرد مباراة في كرة القدم، بل كانت مناسبة اختلطت فيها المشاعر والأحاسيس الصادقة بيننا وبين الأشقاء في عراق العروبة.. ولكم تحياتي.