ليس الحياة بأنفاس ترددها *** إن الحياة حياة الفكر والعمل الدمج بين النظر والعمل هو السبيل إلى الارتقاء في ميادين الحياة كافة، فالفكر والعمل في الحياة مترابطان بالضرورة، أحدهما يكمل الآخر، يزودك الفكر بالرؤية الصحيحة والخيارات الجديدة والخطط السديدة، والعمل يشكل الأثر الحي لأفكارنا على أرض الواقع. قلت ذات مرة إن الفلسفة الغربية تباينت مواقفها بين الفكر والعمل، الفيلسوف الفرنسي مان دوبيران Maine de Biran انتصر للفعل بمقولة: «أنا أفعل فأنا إذن موجود» ردًا على مقولة الفيلسوف الفرنسي ر. ديكارت «René Descartes أنا أفكر فأنا إذن موجود». أضيف هنا أن التفكير قد يثبت للذات وجودها لصاحبها، أما الفعل فهو الذي يثبت وجود الشخص لدى الآخرين الذين لا يشعرون به إلا من خلال أعماله. الحكمة تقتضي أن نفكر قبل الإقدام على العمل، أو كما قال ابن المبارك: إذا أردت أن تفعل أمرًا فتدبر عاقبته: فإن كان خيرًا فامضه، وإن كان شرًا فانته. (فكر قبل أن تعمل) يا ليت لو قمت بكتابة هذه الحكمة وتعليقها في أركان البيت وستجد لها أكبر الأثر في تحقيق نجاحات كبيرة، واجتناب مزالق خطيرة. وتحويل الفكرة إلى عمل يتطلب أمرين.. الأول: نية خالصة تتضح فيها المقاصد، ومن هنا جاء البيان النبوي: (إنما الأعمال بالنيات). وميزانها في كتاب الحسنات (حسنة واحدة). الجهد: وهو الفعل الذي يخرج النية إلى حيز التنفيذ، وميزانها في كتاب الحسنات يبدأ من عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف غير محدودة على حسب درجة الإتقان ومدى النفع العام بها وفي الحديث: «إِن الله كتب الحسناتِ والسيِئاتِ، ثُم بين ذلِك، فمن هم بِحسنةٍ فلم يعملها كتبها الله عِندهُ حسنة كامِلة وإِن هم بِها فعمِلها كتبها الله - عز وجل - عِندهُ عشر حسناتٍ إِلى سبعِمِائةِ ضِعفٍ إِلى أضعافٍ كثِيرةٍ». وفي القرآن الكريم دعوة إلى التفكر في قيمة العمل من خلال مثل بديع في قوله تعالى: {أيودُ أحدُكُم أن تكُون لهُ جنة مِن نخِيلٍ وأعنابٍ تجرِي مِن تحتِها الأنهارُ لهُ فِيها مِن كُلِ الثمراتِ وأصابهُ الكِبرُ ولهُ ذُرِية ضُعفاء فأصابها إِعصار فِيهِ نار فاحترقت كذلِك يُبيِنُ اللهُ لكُمُ الآياتِ لعلكُم تتفكرُون} (266) سورة البقرة. وقد لا يتضح لك معناها للوهلة الأولى، ولا غرو في ذلك فقد أمضى فيها عمر- رضي الله عنه - ليلة كاملة بحثا عن معناها، فلما أصبح سأل أصحابه عنها فسكتوا، وكان ابن عباس - رضي الله عنهما - يهمس بكلام فقال له: قل يا ابن أخي ولا تحقر نفسك، فقال: ضربت مثلا لعمل، فقال عمر - رضي الله عنه - بعد تأمل: صدقت يا ابن أخي ابن آدم أفقر ما يكون إلى جنته إذا كبرت سنه وكثر عياله، وابن آدم أفقر ما يكون إلى عمله يوم القيامة. تذكر معادلة النجاح = ف + ع، فإن (ف) هو الفكر و(ع) هو العمل.