يُعد مفهوم الاستهلاك من أعقد المفاهيم في العلوم الاجتماعية؛ لأن الاستهلاك مرتبط بشكل أو بآخر بالمجتمع، فهو عملية جماعية، فإن قيمة ما يستهلكه الفرد هو نتيجة تلقائية لما يستهلكه الآخرون، فكثيرا ما نرى تقليد الأفراد لأشخاص من حولهم أو أشخاص ارتبطوا بهم بشكل أو بآخر، فأصبحوا قدوة لهم؛ لذلك عُرف الاستهلاك بأنه العملية التي يتم من خلالها تدمير وقتل المنفعة الاقتصادية للسلعة. ومن هذا التعريف رُبط مفهوم الاستهلاك لدي بالسوس الذي ينخر وينهش جسد المجتمع، دون أن يشعر، فهو إجهاض للتنمية والاستفادة من موارد المجتمع وإمكانياته، وهنا نحن لا نتحدث عن الاستهلاك المادي أو الاقتصادي بل أيضا استهلاك بشري كاستهلاك الأطفال في الشهرة من أجل المال أو منصب محدد، ولا نتجاهل استهلاك البيئة بمواردها لإشباع متعة وقتية. ماذا ننتظر بعد لنهدم وندمر هذا المجتمع؟!، فيكون مجتمعا ضعيفا متخاذلا أعمته رغباته عن تفعيل دوره الرئيس بالإنتاج والإعمار والنهضة. لماذا لا نحول هذا الاستهلاك إلى إنتاج مستدام؟ لماذا لا نجعله تنمية شاملة؟ لأن الهدف الأساسي للتنمية المستدامة الوفاء بحاجات البشر وتحقيق الرعاية الاجتماعية على المدى الطويل، مع الحفاظ على قاعدة الموارد البشرية والطبيعية ومحاولة الحد من التدهور البيئي، ومن أجل تحقيق ذلك، يجب التوصل إلى توازن ديناميكي بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية من جهة، وإدارة الموارد وحماية البيئة من جهة أخرى؛ لأن التنمية المستدامة هي التنمية التي تهيئ للجيل الحاضر متطلباته الأساسية والمشروعة، دون أن تخل بقدرة المحيط الطبيعي على أن يهيئ للأجيال التالية متطلباتهم. وهذا هو التحدي الذي يواجه المجتمع، ولكن بيدنا نحن كأفراد أن نساهم في التنمية والحد من هذا الاستهلاك المضر عن طريق استخدام القوانين التشريعية، والإبلاغ عن أية مخالفة تحصل أمامك، كالإبلاغ عن أب أو أم تستغل طفلها وتستهلكه إعلاميا من أجل المال والشهرة الزائفة، أو الإبلاغ عمن يغشون المجتمع بإضافة ضريبة دون وجود رقم ضريبي، والإبلاغ عمن يدمرون الممتلكات العامة ويلقون القمامة، علينا كأفراد أن نتحد لننمي مجتمعنا ونطوره، فنحن لن نرث الأرض بل استعرناها من أحفادنا فلنرجعها لهم بيئة تنموية حضارية وثقافية مستدامة.