«ما دمت أقرعَ فلن يمسّ أحد شعرةً منك».. هذه الحِكمة الظريفة يحتاجها الكثير ممن يخافون النقد، ولا يريدون أن يتكلم فيهم أحد! فمن يهرب من العمل والإبداع خوفًا مما يسميه هجمات الآخرين، وسعيًا للقاعدة الخيالية «ريّح رأسك»، فعليه أن يدرك أنه لن يمسّ أحد شعرة منه، لا لأنه نجح في كسب الآخرين وتحييدهم، بل لأنه أقرع من المميزات، ولذلك لا يملك ما يُمسّ! ومَن يتنازل عن كل شيء، ويكون لينًّا أمام كل أحد بحثًا عن أن يكون محبوبًا من الجميع ولا يمسّ أحد شعرة منه، فقد يكون محبوبًا، ولكنه الحب الممزوج بالاستنقاص والنظرة الدنيوية، فهو أقرع، لا يملك ما يجعل الآخرين يهتمون بكرهه أو حبه! وهذه يحتاجها كثير من الآباء الذين لا يعاقبون أولادهم بحثًا عن حبهم وخوفًا من كراهيتهم، فيدمّرون حياتهم ويكسبون حبهم الوقتي، وعدم تقديرهم الدائم والراسخ عند نضجهم، كما يحتاجها بعض المديرين الذين لا يعاقبون مَن يستحق العقاب خوفًا من أن يخسروا أحدًا من الموظفين، فيسيطر في إداراتهم الأعلى صوتًا والأقل حياءً، بينما ينزوي أهل التميّز والعطاء! عندما مُدح أحد الأشخاص عند أحد كبار السن الحكماء، وقيل له: فلان صاحب خير! لم يضر أحدًا في حياته! قال: هذه مذمة وليست منقبة، فالرجل يضر وينفع! وقالها الحطيئة مادحًا ذامًّا: دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي مَن يفعل الخير لا يُعد جوازيه لا يذهب العُرفُ بين الله والناسِ قبل أن تهتم بالنقد.. انظر إلى حال الناقد، ولا تتوقف عن زرع الخير والعطاء في كل مكان تحل فيه، ولا عليك إذا مسّ الحاقد والحاسد شعرة منك، فهذا موطن فخر لا عيب! وفي الحديث الشريف، يقول المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم): «مَن أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، ومن أرضى الله بسخط الناس رضي الله عليه وأرضى عليه الناس».