تعد أزمة منتصف العمر حالة حرجة لدى الكثير من أفراد المجتمع خاصة النساء؛ كونها تقع ما بين مرحلة النضج المتكامل وبلوغ أقصى القوة والإنتاجية وبداية الدخول في مرحلة الكبر أو النصف الثاني من العمر، أي أنها حالة تتخلل المرحلة العمرية من 35-60 عاما. ولن أنطلق في حديثي عن الموضوع بوصفه أزمة كارثية كما يعانيها أفرادها، بل من كونه نقطة تحول في الشخصية إما إلى زيادة في التكامل أو إلى سوء في التوافق. بداية يركز الفرد في هذه المرحلة على البحث في الذات، فيواجه ذاته الواقعية والفعلية، إلا أنه يقع في مطب آخر وهو تبني الهويات المتاحة والبديلة. كما تسيطر عليه نزعة للانعزال والوحدة، وشعور بضيق الوقت المتبقي له في الحياة وقرب انتهائه، وأنه لم يحقق أهدافه بعد، مع تسليط تفكيره على التجارب التي فشل في تحقيقها في الماضي. إننا عندما نتعمق أكثر لنحدد معززات هذه الأزمة ومثيراتها بصورة عامة وفق إطار نفسي نجد أنها مهنيا تتركز في أعباء وضغوط الوظيفة أو فقدها أو التقاعد أو التدني في الأداء، وكذلك في التقدير والثناء، وأسريا يبرز استقلال الأبناء كأكثر محفز تأثيرًا ثم الشعور الزائد بالمسؤولية وحدوث الخلافات كذلك، واجتماعيا يظهر عامل تغير مجرى الحياة ورفض الواقع، واليأس من الآخرين، وخيانة صديق، وفقدان المساندة الاجتماعية، وفسيولوجيا تؤثر ظهور التجاعيد والشعر الأبيض وفقدان الهمة والنشاط، ونفسيا نجد أن التوتر الدائم والفراغ العاطفي وانعدام الطموح والخوف من الشيخوخة وصراع القيم والمبادئ هي الأكثر تأثيرًا، وهناك عوامل مرتبطة بالصدمات غير المحسوبة كحالة وفاة مفاجئة لزوج أو ابن أو لمقرب أو عزيز أو الإصابة بمرض مزمن أو الطلاق أو الترمل. إن أزمة منتصف العمر ليست مرضًا في حد ذاتها، ولكن استجابتنا لمثيراتها هي التي تحدد مدى حدتها وتأثيراتها. وخلاصة الكلام فأزمة منتصف العمر تخلق نظرة سوداوية للفرد تؤثر على شعوره تجاه ذاته ومجتمعه ونمط حياته مما قد ينتج عنه انعكاسات سلبية تؤدي إلى ظهور اضطرابات الشخصية أو اضطراب كالقلق والاكتئاب وشدة الانفعال والانسحاب والأعراض السيكوفسيولوجية، يتبع...