أكثر من مليار ونصف المليار دولار هو حجم إجمالي مشاريع البنى التحتية في الخليج التي تم تنفيذها وبعضها لا يزال، وبحسب تقارير حديثة فإن تلك المشاريع التي يتم تنفيذها بين العامين 2016- 2019 يمكن أن تصل قيمتها حتى أكثر من 300 مليار دولار، أرقام كبيرة ومبالغ ضخمة ومشاريع لم نجدها للآن توازي تلك المبالغ وإن كانت لا تزال المشاريع قيد الإعمار، البنى التحتية في دولنا الخليجية لا تزال تملأ شوارعنا بشكل يمكن ملاحظته، ولكن هل هي كافية؟!، وهل تناسب المرحلة الحالية؟! وهل يمكننا انتقادها الآن وقبل تمامها؟! تعتبر مشاريع البنى التحتية والمواصلات والاتصالات من أهم لوجستيات أي مرحلة تعمير وتنمية في كل الدول وعبر المراحل، وهذه المشاريع يجب أن تطور كل عقد من الزمن لتوائم وتوازي المرحلة المعاصرة. لذا كل ما يلزم هو خطط مبتكرة تحتوي على استراتيجيات بها بعد نظر على المدى المتوسط، حتى لا تتسبب هذه المشاريع والقواعد في أزمات لاحقة كما هي اليوم، فأغلب طرقات وشوارع دولنا الخليجية غير مؤهلة لمجاراة المرحلة الحالية، طرقاتنا التي صممت في زمن القلة باتت تضج من الزحمة بصورة يمكن فهمها حين نستوعب معدل الحوادث والاختناقات المرورية التي تشكل ظاهرة لا يمكن تفاديها بأي حال وأي وقت. ظاهرة الازدحامات التي تملأ الشوارع لها أسباب داخلية وخارجية وكان من الممكن حلها لو أن شوارعنا كانت تستوعبها، لذا نحن ننتقد المشاريع قبل إتمامها حتى يمكن لواضعيها تدارك ما يمكن تداركه، فالأمر بات يشكل ضغطا كبيرا على الاقتصاد وخططه التنموية. فدولنا تعيش طفرة ديمغرافية قل نظيرها، وبحسب تقرير حديث لمؤسسة آسيا الكويتية، فإن دولنا الخليجية تسجل معدل أسرع نمو سكاني في العالم خلال عقد، فالنسبة أعلى بنحو أربع مرات من الولاياتالمتحدة، وسبع مرات من الصين، وعشر مرات من دول الاتحاد الأوروبي. والأسباب بحسب التقرير تعود لعملية تدفق المغتربين والوافدين الذين يشكلون الآن نسبة كبيرة من سكان دول مجلس التعاون الخليجي، وتقدر نسبتهم بنحو 33 بالمائة في السعودية وأكثر من 85 بالمائة في الإمارات وقطر، مع توقع مواصلة نمو عدد السكان بمعدل 1.8 بالمائة سنويا، ما يعني أنه سيكون ضعف معدل النمو في معظم الأسواق الناشئة، في وقت رجحت فيه انخفاض عدد السكان في الاتحاد الأوروبي واليابان. من جهتها تتوقع وحدة إيكونوميست للمعلومات المختصة في مجالات الاقتصاد والعمل أن يرتفع عدد السكان في دول المجلس بنحو 30 بالمائة بحلول عام 2020، منذ العام 2009، أي قبل الثورات والحروب العربية، لذا فإن النسب أتوقع لها أن تزداد. ارتفاع أعداد السكان هو مفتاح المشاكل التي تحدث اليوم ليس لأن الأمر غير طبيعي ولكن لأنه لم يستعد له بطريقة جيدة. بعيدا عن أن يكون عدد السكان هو المشكلة وهو الحل وبعيدا عن استبدال الوافدين بالأيدي العاملة المحلية كعلاج نافع. يمكن أن نخلق من مشكلة بحجم الازدحامات مشاريع ريعية رابحة تساهم في عجلة التنمية وتنويع الاقتصاد وبدل أن تكون زيادة السكان مشكلة تكون عجلة تحرك ريع مشاريع استثمارية في قطاع المواصلات. تلك المشاريع بدأت بها دولة الإمارات منذ عقد كجزء من حلول الازدحام فيها، ونجحت كثيراً وكانت ذات جدوى عبر تأسيس مشاريع مواصلات متطورة ونوعية على مستوى المنطقة. في الحقيقة الحل ذو شقين لا تقل أهمية الواحد منهما عن الثاني وهما التأسيس لمشاريع والتشجيع على الاستثمارات النوعية والمبتكرة في قطاع المواصلات وجعل البلاد شبكة مواصلات مترابطة ومتوافرة بكل مكان وتسهل الوصول لأي منطقة فيها، والشق الثاني وهو العمل على تثقيف العامة بأهمية وضرورة استخدام النقل الجماعي «المطور» لاعتبارات تعود بفوائدها عليهم شخصيا. للأسف نحن نعيش مشكلة عدم تقبل العامة أمر استخدام النقل الجماعي أو النقل الأجرة بعد أن بات اقتناء المركبة الخاصة يضفي شيئا من «الأبهة» الشخصية وهي عنوان للاعتماد على الذات، وتعتبر اليوم أول إنجاز شخصي، فامتلاك المركبة يعني الاستقلالية، لذا الأمر يلزمه تغيير بعض القناعات والمفاهيم. فالاستثمار في النقل الجماعي والأجرة يعد من أنجح المشاريع التي يجب أن يعمل عليها حالياً لا سيما وأنه من المتوقع أن تشهد السنوات القادمة تدفقا أكبر في السكان وحركة مرور مرتفعة أكثر ناهيك عن السماح للسيدات في المملكة العربية السعودية بالقيادة ما يعني مضاعفة نسبة مقتني السيارات الشخصية وازدياد معدل الازدحام وحوادث المرور فنحن على وشك أن تتحول شوارعنا وطرقاتنا لمصانع ومواقف سيارات، فالأمر خانق للغاية. بيد أن مشاريع كالقطار العائلي والقطار السريع والنقل الجماعي المطور وسيارات الأجرة العاملة بالنت وبدون سائق وهي تحت الطلب والوصول السريع، ومشاريع كمشاريع النقل العائلي والجماعي الترفيهية والنوعية هي مشاريع ستحقق ريعا كبيرا لمالكيها، وستوفر جهودا على الأفراد أنفسهم ستكفيهم عناء مصاريف السيارة الجانبية ومشاكلها وحتى عناء ومشاكل الشارع الذي يهدر الوقت ويستنزف الأعصاب، وستقلل من نسبة الازدحامات والحوادث بشكل كبير، وستقلل استنزاف الطاقة والبترول، وبالتالي التقليل من المصروفات وحتى من التلوث البيئي، كما ستعمل على ازدهار السياحة المحلية. الاستثمار في مشاريع المواصلات وابتكار مشاريع نوعية فيها عبر استخدام التقنية والتي ستقدم خدمة فريدة وذات جودة عالية من شأن ذلك أن يعالج الكثير من المشاكل، ويعيد تنظيم المجتمع ويساهم في التنمية الاقتصادية ويخدم خطة التقشف والادخار ويفتح أفقا لمشاريع ريعية وخدمية.