احتجت ذات يوم وركبت سيارة أجرة، وبعد أن أخذت نفساً عميقاً بعد مفاوضات شاقة على السعر أصبحت اعد الدقائق حتى أصل لوجهتي سليماً معافى، فقد كانت تجربة فريدة في نوعها، فكان من الجيد أن تكتشف العالم الآخر من مدينتك والخدمات المقدمة فيها ومشروع بحثي ميداني تتعرف من خلاله إلى مجتمع سيارات الأجرة في مدينتك. منذ الدقيقة الأولى وأنا منزعج من رائحة سيارة الأجرة وزادها اتساخا حزام الامان الذي يبدو أنه لم يستخدم قط! كل تلك المؤثرات كنت استطيع التعايش معها وتمضية الوقت باللهو بالجوال حتى نقطة الوصول، ولكن ما لم استطع أبداً التكيف معه والذي اضطرني للنزول من سيارة الأجرة أن قائدها نعسان ويغفو! وبعد سؤاله كم ساعة تعمل في اليوم ذكر أنه يعمل 14 ساعة في اليوم! فهو يعطي لمالك شركة سيارات الأجرة 130 ريالا في اليوم ويأخذ ما زاد عليها من غلّة اليوم، وله في الشهر 22 يوم عمل، والثمانية أيام المتبقية من الشهر يكون له دخلها كاملاً وعليه تكاليف السيارة ولذا فهو يجوب الشوارع بلا هدى ليحقق المبلغ الذي في عنقه لصاحب الشركة، ومن ثم مبلغ تكاليف السيارة وبعدها يتفرغ للكسب الشخصي، ومؤقت التوقف عن العمل هو غلبة النوم أو الجوع. بعد أن نزلت من سيارة الأجرة مر بي شريط ذكريات المدينة ومكوناتها وكم عدد سيارات الأجرة المنتشرة في أرجائها والفوضى العارمة في عمل تلك السيارات، وجلست أتساءل ما مؤهلات من يقود تلك المركبات التي تجول مدننا كاشفة واقعنا الاجتماعي؟ هل هم من أبناء البلد؟ أم عماله وافده - مثل صديقي النعسان -؟ هل هناك برامج تدريبية للتواصل ومقابلة الجمهور واحترام المهنة وخصوصية العميل والنظافة والصحة والسلامة؟ ما معدل الحوادث اليومية لسيارات الأجرة في المدينة؟ ما معدلات الجرائم السنوية من قائدي سيارات الأجرة؟ هل هناك دراسات ميدانية للكشف عن واقع الانضباط والتزام سيارات الأجرة بقوانين المرور؟ هل هناك لوائح وأنظمة تنظم سوق العمل لسيارات الأجرة؟ هل هناك معايير للجودة المرورية والصحة والسلامة لسيارات الأجرة؟ هل هناك احصائية كم عدد سيارات الأجرة التي تجوب المدينة الواحدة؟ وكم المعدل الطبيعي والنسبة والتناسب لعدد سيارات الأجرة مقارنة بعدد السكان أو دراسة للسوق المحلي والاحتياج الحقيقي؟. تساؤلات كثيرة قادتني للتساؤل الأهم لم لا يكون لدينا شركة وطنية ضخمة للنقل خاصة بسيارات الأجرة مثل شركة سابتكو؟ المجتمع السعودي أصبح أكثر انفتاحاً على المجتمعات الأخرى من خلال الأرقام الكبيرة للمسافرين خارج المملكة في الاجازات القصيرة والطويلة وللدول القريبة والبعيدة.. وكم هو محزن أن نرى الفوضى وسوء الخدمة في سيارات الأجرة والمستفيد منها فئة قليلة من ملّاك شركات سيارات الأجرة! وفي المقابل عندما تسافر ترى الاحترافية في إدارة تلك المنظومة والخدمة المميزة الآمنة والغطاء الحكومي الأمني لتلك الوسيلة من المواصلات. نحن نتقدم كثيراً في مؤشرات مادية وحضارية كبرى ولكنّا تأخرنا في تطوير عمل سيارات الأجرة، فهل من المعقول أن تجد إلى الآن سيارات أجرة تجوب الشوارع تبحث عن زبائن في وقت يستخدم أغلب دول العالم المتحضر نقاط توقف محددة في شوارع عامة وخدمة اتصل نصل! وهل من المعقول قبول فكرة التفاوض على السعر مع قائد الأجرة في وقت أغلب المستفيدين من تلك الوسيلة في الدول المتحضرة يركب ويعطي العنوان لقائد سيارة الأجرة لأنه يعرف أن هناك آله تسجيل الكترونية تحسب الوقت والكيلوات بعدالة وحسب تصنيف الشركة وتعطي التكلفة الحقيقية لخط السير! ومن الطبيعي استحالة استخدام أجهزة تتبع لسيارات الأجرة وبطاقة تعريف لقائد المركبة في ظل فوضى تلك السوق الذي يفتقد لأبسط مبادئ الاحترافية في تقديم الخدمة. المجتمع السعودي يستحق أن تبذل وزارة النقل والجهات المسؤولة عن سيارات الأجرة كافة الجهود لجعل سيارات الأجرة وسيلة آمنة وتعكس تحضر المجتمع خصوصا أن مدن المملكة الآن يُنفذ فيها عدد كبير من المشاريع في البُنى التحتية التي تضيق معها الشوارع وتُغلق بعضها فتؤثر في الصحة النفسية للمواطنين فنحن في أمس الحاجة الآن لتقليل عدد السيارات التي تجوب الشوارع بلا هدى وبفوضى لا تعكس مدى تحضرنا.