يوم السلام العالمي، وهو أحد أهداف التنمية المستدامة للعالم، وهدف يدعو لتقبل الآخر المختلف عنا بالمذهب، الجنس، اللون، العرق، القبيلة والدين وغيرها، وهذا ما دعت له جميع الرسالات السماوية واختتمها ديننا الإسلامي بان جاء أمناً وسلاماً لكل العالم، وهذا لا يكون إلا بالعدل لحفظ كرامة الجميع دون تمييز، وهذا لا يعني أننا ضعفاء أو جبناء. فقد قالها «عميد الدبلوماسية» المغفور له الامير سعود الفيصل في كلمته الشهيرة «نحن لسنا دُعاة حرب ولكن إذا دقت طبولها فنحن لها». وهذه الجملة المختصرة الكلمات الكبيرة بالعبر والتعاليم تختصر معاني السلام وحفظ الكرامة والاحترام للجميع، فنشر السلام والمساواة لا يكون بالاستسلام والضعف والخنوع، وهذا ما يجب أن نربي عليه أبناءنا، فالسلام هو أن لا تبدأ بالعدوان والتعدي على الغير، وأن ترفع التعدي عن الضعيف إن أمكنك ذلك. والتعدي هنا لا يقتصر على العنف الجسدي والإرهاب والتخريب، بل يشمل جميع الجوانب من فعل وقول أو سخرية واستهزاء، فمقولة الأجداد «من ضربك اضربه» قد تكون نافعة في أوقات مختلفة، فعندما يُضرب الطفل من طفل آخر لا بد أن نعلمه الدفاع عن نفسه ويرد هذا الاعتداء بالقول أولاً ثم الاستنجاد بشخص اكبر سنا أو مقاماً، فاذا لم يجد فلا بد أن يدافع عن نفسه برد هذا الاعتداء بالفعل المماثل، فهويتنا الإسلامية لا بد أن نزرعها في أطفالنا وندربهم على الدفاع عن انفسهم ليكبروا ويصبحوا مدافعين عن عائلتهم ووطنهم عند الحاجة لهم، فالسلام وحفظ الكرامة والاحترام من أساسيات تنمية وبناء الأوطان، ونجد هذا واضحاً جليلاً في تصرف سيد البشر عندما هاجر إلى المدينة فبنى المسجد أوّل الأمر، ثم آخى بين المهاجرين والأنصار، ثم عقد المعاهدة الشهيرة في السيرة النبوية (بمعاهدة المدينة) ووثّق الدستور الأول الحامي للحقوق والمقِرّ للواجبات والمؤسّس للدولة الآمنة التي يحميها جميع أبنائها، القائمة على الحب والسلام والود والتعاون المشترك. تلك إجراءات اتخذها رسول الله ليؤسس ويبنيَ وطناً آمناً، لا يقلقه العنف، ولا التوترات، فمسجد، ومؤاخاة، ودستور يحمي الحقوق ويعظّم من كرامة الإنسان، ما هي إلا مرتكزات لبناء وطن عظيم!! فالاستثمار الحقيقي في الوطن يكون ببناء الإنسان أولاً، عقيدة وسطية متسامحة وثقافة وفكرًا بناءً مواكباً للتطور وأخلاقًا تمثل القيم الإسلامية واقتصادًا مزدهراً قائما على أكتاف شباب الوطن؛ فالإنسان هو أول ركن رئيس في أي خطة للبناء في الأوطان، فبناء الإنسان مقدّم على بناء العمران، فهو أساس التقدّم، وهو عمود الرقيّ، وهو ركن التحضّر، والله كرّمه، فكيف نهينه ونمتهن كرامته لمجرّد الاختلاف في الرأي أو الفكر أو حتى العقيدة والدين، يقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ».