أكثر من ثلاثين قناة تنطق بالعربية، تستهدف أطفالنا، بعضها مجرد واجهة عربية لمضامين أجنبية، وبعضها أسماؤها أجنبية، وكل ما فيها أجنبي مترجم، ومدبلج بمعايير منخفضة جدا في الجوانب العقدية والأخلاقية والتربوية. وغالب هذه القنوات خلت مواقعها التي تمثلها على الشبكة العالمية من رؤية واضحة، أو رسالة محددة، أو أهداف تكشف هويتها ومراميها. ولذلك، لا نتفاجأ بأن أكثر المواد رواجا بين أطفالنا لا تمثل هويتنا الإسلامية، ولا أصولنا العربية، ولا ثقافتنا المحلية. ويمكن استثناء عدد محدود من القنوات التي تزيد منتجاتها المحلية على ما تستورده وتدبلجه على نصف عروضها، مثل قناتي مجد ومجموعتها الطفولية وسمسم. ويذكر أ.د. عبدالله الرشيد أن «مما يثير القلق أن بث بعض تلك القنوات صادر عن مؤسسات غربية، فقناة (بان أراب) تشرف عليها مجموعة (لاجاردير) الفرنسية وبتمويل من الحكومة القطرية، ومصدر القلق أن تتولى الجهات الغربية تثقيف أبناء العرب وتلقينهم، حتى ولو كانت بلغة عربية سليمة فثم مخاطر من أن تنجح تلك القنوات في تقديم موادها -وهي لن تكون صافية صفاء كاملا بلا شك- تقديما لغويا جيدا يغري ذوي الأطفال بالثقة بها» حتى المسلسل الذي استدعى شخصية السُندباد العربية من ألف ليلة وليلة، مليء بالعقائد الفاسدة والخرافات، فمرة نرى السُندباد يخر ساجدا أمام والي بغداد، ومرة يستعين بصاحب المصباح وهو الجني الأزرق لكي يحقق له مطالبه، ومرة يسجد تحت قدمي الجني الكبير الذي يخرج من الماء والصحراء ويتوسل إليه ألا يقتله، وانظر إلى الجواري والفتيات وهن يتراقصن في القصور وسُندباد ورفاقه يأكلون ويغنون فماذا يتعلم الأطفال من هذا العرض؟ والعجيب أن يتغافل الآباء والأمهات عن هذه الحقائق، ويديروا لها ظهورهم، بحجة تحقيق الهدوء في المنزل، بتخدير الطفل أمام الشاشة، حتى قال أحدهم: «فور صدور أية حركة تنبئ عن استمرار طفلي في اللعب والصراخ، أدير التلفاز على إحدى القنوات، لا إراديا أجد طفلي ممددا على الأرض وبصره إلى التلفاز، في حالة أشبه ما تكون بالتنويم المغناطيسي». إنه يطفئ جذوة الإبداع في طفله، ويخمد حركة الاستكشاف التي يقوم بها بفطرته كلما نهض إلى ما حوله في شكل (تخريب) أو (شجار) كما يقرؤه الوالدان. ربما كان هناك من سيقول لمن يدق أجراس الحذر من هذه الأفلام: تلك مبالغات منفوخة، وخوف متوتر لا داعي له، فالمسألة مسألة تسلية وحسب، ولكنها الحقيقة التي يدلل عليها المختصون من علماء النفس والتربية والاجتماع من عدد من الشعوب والأديان في العالم، الذين أبدوا رأيهم بحياد شديد وموضوعية، وعدد من الآباء والكتاب الذين رأوا بأعينهم، وقالوا بألسنتهم. وأشارت دراسة صادرة عن مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي التابع (لأرامكو السعودية) سنة 2014 أن 59% من الأطفال السعوديين يفضلون مشاهدة التلفزيون على القراءة، وأن مصدر المعرفة الأول بالنسبة للأطفال هي الأسرة تليها المدرسة/ الروضة، والتلفزيون ووسائل الإعلام الأخرى ثم الكتاب الذي يأتي في المرتبة الأخيرة. وأثبتت بعض الدراسات المعنية بتكوين شخصية الطفل أن ما يقرب من 88% من وقت الأطفال يضيع فى مشاهدة البرامج التليفزيونية الكرتونية، وبهذا يرتبك جدول الطفل وتنعدم الأوليات، وتضيع فرصة صحبته لمن يربيه، ويفقد أساسات حياتية في تكوين شخصيته، وقد تتضرر صحته، ويتأخر حتى في دراسته. كما نحرص على سلامة غذاء أجساد أطفالنا، علينا أن نحرص على سلامة غذاء أرواحهم وعقولهم.