ليس صحيحا ما يقال ان هناك من يحترمك بسبب منصبك أو جاهك أو مكانتك الاجتماعية، فهذا ما يسمى بالاحترام المزيف، وعليك أن تميز بين الاحترام الحقيقي والاحترام المزيف الذي ينتهي بانتهاء أسبابه، بينما الاحترام الحقيقي يكتسب من خلال احترام الذات المؤدي إلى احترام الآخر، فتحترم الناس وتكون حفيّا بهم، وتعاملهم سواسية، بالروح نفسها من التهذيب وحسن الخلق سواء كنت ذا منصب كبير أو ذا جاه واسع أو ذا مكانة اجتماعية مرموقة، أو كنت دون ذلك منزلة في سلم الأوضاع الاجتماعية المختلفة. وكثيرا ما نسمع عن مسئول كان ملء السمع والبصر عندما امتلك صلاحيات الحل والربط، وكان الناس يتهافتون عليه، ولما أزيح عن منصبه لم يعد يحظى بمجرد السلام من زملائه في العمل أو مراجعيه من الناس؛ لأنهم لا يذكرون أنه قدم لهم عملا لوجه الله، أو خدمهم في أمر يستحق الشكر عليه، وتكون النتيجة أن يمضى بقية حياته الوظيفية في كمد وقهر، حتى بعد تقاعده قد لا يطرق بابه أحد، إلى أن يتولاه الله برحمته، وبالمقابل هناك من كان ملء السمع والبصر حتى بعد خروجه من الوظيفة وتقاعده من أي عمل رسمي، ظل على صلة دائمة بالجميع، وذلك لأن الناس لا يذكرون منه إلا الخير، وكان نعم الزميل للجميع، ونعم الأخ للكبير والصغير، ونعم العون لمن يعرفه أو لا يعرفه، وهو يقوم بذلك بكل محبة وإخلاص، وبكل ود وتفان في أداء مهام وظيفته، تاركا المزيفين والوصوليين في حالهم؛ لأنه يعرف أهدافهم الشخصية فإذا ما ترك منصبه، أصبحوا أول الطاعنين في ظهره، رغم ما قدم لهم من خدمات نظامية يعتقدون أنه قدمها بسبب ما يبدونه من تزلف أو نفاق أو مراءاة، بينما هو في حقيقته إنسان يَحترم ذاته ويسعى إلى كسب احترام الناس من خلال احترامه لذاته. هذه الحقيقة كثيرا ما تلتبس على بعض المسئولين الذين أفاء الله عليهم من خيره الشيء الكثير، ويسر لهم فرصة خدمة الناس بحكم مناصبهم، لكنهم أساءوا فهم مهام أعمالهم، وبالتالي أساءوا فهم احترام الناس لهم وهدفه وغاياته، ولا تتضح لهم الرؤية إلا عندما يفقدون مناصبهم، ويفقدون معها كل ذلك الاحترام الذي ينتهي بانتهاء أسبابه. ومن الخطأ أن نسمي هذا احتراما، بل هو وسيلة منحرفة لكسب المزيد من المصالح الشخصية، فإن أردت أن يدوم احترام الناس لك، فعليك أن تحترم نفسك أولا، باحترام غيرك من جهة، وعدم الانسياق مع مظاهر النفاق الاجتماعي من جهة أخرى، ومهما علا منصبك فستظل ذلك الإنسان المتفرد بطباعه وصفاته وسلوكه، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، ومن كان للناس عونا كانوا له كذلك.