أطلقت شركة جلاسقو للإسكان غير الربحي في اسكتلندا قبل عدة سنوات برنامجاً نوعياً سمته «فكر نعم» يتمحور حول تعزيز استخدام كلمة نعم لجميع ما يطلبه عملاء الشركة في نطاق خطوط العمل، ودعمت ذلك السلوك بالصلاحيات التي جعلته ممارسة يومية لدى الموظفين ودفعتهم لبذل جميع السبل لإسعاد عملائها وتلبية متطلباتهم دون استخدم كلمة «لا» مما قادها لتحقيق التميز الأوروبي. لقد ظهرت نظرية الثقافة التنظيمية في الثمانينيات من القرن الماضي، حيث تؤكد هذه النظرية أن لكل منظمة ثقافتها الخاصة المؤلفة من القيم والمبادئ التي يبنيها الأفراد داخل منظماتهم وبيئاتهم وتدفع بسلوكيات معينة للظهور. لذا تعد الثقافة التنظيمية أو ما اسميه الحمض النووي للمؤسسة بمثابة العمود الفقري لنجاح رسالتها وتحقيق أهدافها وخططها لما له من أثر بالغ في الإنتاجية والإنجاز والتطوير والعلاقات ونحوها. فلو تحدثنا عن أرامكو السعودية على سبيل المثال نجدها تمكنت من بناء ثقافة فريدة تعزز قيم الجودة والتميز والالتزام مما جعلها تنعكس على سلوك الموظفين وأدى إلى تحقيق النجاحات المتوالية، ووضعها الخيار الأول للكفاءات والمستثمرين. وعلى النقيض نرى هنالك مؤسسات ضلت وجهتها وفقدت سمعتها نظراً للثقافة السلبية السائدة لدى موظفيها كالتأخر وضعف احترام وقت العملاء وسوء التعامل معهم عبر معتقدات بالية مثل «المستفيد هو المحتاج» أو «عملي بقدر مرتبي». وفي دراسة قام بها أحد الباحثين على 900 شركة لمدة 25 عاما وجد أن الشركات فائقة الأداء لديها 4 مقومات متشابهة ساهمت بخلق ثقافة داعمة للنجاح هي: وضوح الرؤية والرسالة والأهداف للموظفين، والتماسك الداخلي لوجود اللوائح التنظيمية وبرامج إدارة الأداء الفردي والمؤسسي، وكذلك القدرة على التكيف والمرونة مع التغيير بالإضافة إلى ولاء الموظفين نتيجة رعايتها لهم. وفي ظل الحراك التنموي والاقتصادي المتسارع الذي تشهده المملكة حاليا كمشروع نيوم الذي أطلقه سمو ولي العهد مؤخراً بعباراته الملهمة التي تعزز ثقافة الإبداع والريادة، أرى ضرورة أن تتبنى الدولة مشروع توحيد قيم المرحلة المستقبلية التي تواكب المشاريع الوطنية الطموحة، وأن تدفع بكافة المؤسسات لترجمتها إلى سلوك ممارس لدى رأس المال البشري الذين ترتكز عليهم المملكة ليرسموا معمارية السمو والمجد.