لنفرض، جدلا، أن حسن نصرالله أمين ميلشيا حزب الله اللبناني، في ليلة مفترجة (كما يقول المصريون)، صفا ذهنه وصحا ضميره، ونزل عليه الإلهام الإلهي الصادق، وتخلص من الأوهام والطوباويات التي يرددها في خطبه، وفكر في حاله ونفسه وضميره وحزبه، وهبط من الخيال إلى الواقع والحقيقة «المرة»، فاعترف أنه، فعليا وعمليا، دعك من «السينمائيات» والمنمقات الخطابية، ليس سوى جندي إيراني، وأي ضابط متواضع الفهم، وسيئ المزاج في الحرس الثوري الإيراني، يمكنه أن يوجه إليه الأوامر وحتى التوبيخ، وليس عليه إلا التنفيذ، وأنه فعليا، أراد أو لم يرد، مناع للخير معتد مريب، وعميل صغير لدولة أجنبية هي إيران، توجهه استخباراتها لترسخ تغولها السياسي في لبنان وفي الأوطان العربية، وشعاراته ليست سوى غطاء لمشروعه السياسي (دعك من طاوبات الولي الفقيه) يتقصد التدخل السياسي المعلن في لبنان والبلدان العربية، وأن أقنعة نصرالله والحرس والولي الفقيه وقفازاته قد كشفت. وأن حكاية تحويل لبنان، العربي المتنوع الأديان والمذاهب، إلى تابع صفوي لجمهورية الولي الفقيه الفارسية، حكاية خرافية ولن تتحقق أبدا إلا في مخيلات مريضة، وإذا استمر المشروع بهذا الجنون والاستنزاف للدماء والأموال والطاقات، من المرجح أن يلقي بلبنان، بشيعته وسنته ومسيحييه ودروزه وعلمانييه وملحديه، إلى محرقة أرضية، وستتفحم قنواته الفضائية الموالية والمضادة والمتحزبة. لنفرض جدلا أن السيد اكتشف أنه ليس سيدا ولا زعيما ولا ملهما، وإنما هو مسمار صغير في ترس آلة عالية الضجيج تنحدر إلى الحضيض.. ماذا عليه أن يفعل؟. في الحقيقة أن نصرالله يعلم تماما أن الحقيقة تختلف عما يفيض به من الهراء في الخطابات، وحتى لو فجأة ألهمه الله صحوة ضمير، لن يستطيع فعل أي شيء، لأنه، مثل داعش، يخوض سرمدية اللارجعة مهما كانت النتائج. ولو فكر، مجرد تفكير، في استقلال حزب الله عن إيران، سوف يجد نفسه إما مقتولا أو مطرودا مذموما، ولن يجد، على وجه الأرض، من يضمد جراحه ولا من يسقيه شربة ماء، سوى الذين افتعل العداوة معهم، وجرد خطبه الرنانة ضدهم. لو فكر حزب الله بالاستقلال عن إيران لتبخر الحزب وانتحر زعيمه، لأن الحزب والزعيم، صناعة إيرانية ومهندس ومصمم، فقط، على مقاسات إيران ومصالحها، ولا يستطيع نصرالله التفوه بكلمة في خطبه الرنانة ما لم تكن صدى لمرشد إيران وحرسه، وتلك أسوأ حال. والسؤال الأهم، هو هل سيستمر المرشد مرشدا؟ وهل تطيق الأمة الإيرانية أن تستمر الدولة الطوباوية في إيران تعمه في ضلالها؟، ولا تكل من خلق الأعداء ونسج الفتن وتأسيس الميلشيات وإحياء أحقاد تاريخية وتبديد ثروات إيران على المصفقين للمرشد وطوباوياته، وعلى مشروعات عسكرية ضخمة، لا يمكنها الصمود أمام اضعف الأعداء، لأنها مصممة أساسا للاستعراض الإعلامي، فيما مواطنوها يعانون الفقر والعوز والمذلة. *وتر لبنان روح العرب وألمهم.. وقبس الضياء.. إذ تدلهم العتم.. وطن الصافيات.. والأنواء.. وبهاء المتوسط وعطره.. ها هم.. يتحالفون مع الظلام.. ليغرسوا الخناجر بخمائل الرمش..