تشكو دول كثيرة من مشكلة التحرش لما لها من انعكاسات أخلاقية وأسرية واجتماعية مختلفة، ولما ينجم عنها من مؤشرات سلبية منها انعدام الوعي والاستهتار بالقيم، ووهم الانفلات من قبضة القانون، إلى جانب دلالاتها النفسية والتربوية، لأن من يرتكب هذا الفعل المشين لا يمكن أن يكون سليم النفس والسلوك والانفعال، سليم التربية والتعليم، وقد أدركت بعض الدول خطورة هذه الآفة، فأصدرت قوانين تجريم التحرش بجميع أنواعه، وفرضت على مرتكبيه أقسى العقوبات؛ لردعهم عن غيهم، فهم من المفسدين في الأرض، الذين لا يريدون لمجتمعاتهم العيش في أمن وسلام، وخطرهم لا يقل شأنا عن بقية المجرمين الخطرين الذين ابتليت بهم مجتمعات العالم. وقد أثلج التوجيه الملكي الكريم لسمو وزير الداخلية بإعداد نظام لتجريم التحرش صدور أولياء الأمور والغيورين على الدين والأخلاق، الذين يسوءهم ما يحدث في المجتمع من هذه الحالات، وإن كانت نادرة، لكنها تشوه حتما الصورة التي يفترض أن يظهر بها مجتمع مسلم يحكم بالشريعة الغراء، ويسعى لتوطين الأمن في ربوعه، والدين نهى نهيا قاطعا عن التحرش، كيف لا وقد بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم ليتمم مكارم الأخلاق، والتحرش حتما ليس من مكارم الأخلاق ولا من شيم الرجال ولا من صفات المواطن الصالح. ولو سئل المتحرش: هل ترضى هذا الأمر لأقرب الناس إليك لأنكر واستفظع وثارت حميته، وربما اعتدى على من يطرح عليه هذا السؤال. فكيف يرضى كائن من كان لغيره ما لا يرضاه لنفسه، وفي الحديث: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه). وهذا التناقض في السلوك، يعني ضعفا في الإيمان، والعياذ بالله، لكن غياب الوعي يجر دائما إلى ارتكاب أسوأ الخطايا، وهذه واحدة منها. التحرش داء خبيث، من أصيب به فقد إنسانيته، وهو واحد من اثنين إما عبد شهواته مما يستوجب العقاب، أو أسير مرضه النفسي مما يستوجب العلاج، حتى لا يعيث في الأرض فسادا، وضحايا هذا الداء الخبيث سيظلون يعانون من آثاره السلبية على جميع الأصعدة. وجود هذا النظام الذي يجرم التحرش، ويشدد القبضة على مرتكبيه، هو الوسيلة للحد من هذا المرض الخبيث، الذي يعيد الإنسان إلى شريعة الغاب، حيث لا تحكمه أخلاق، ولا تردعه قوانين، ولا تمنعه حضارة كافح الإنسان قرونا ليبنيها على قواعد الشرف والاحترام والتقدير.. شرف الذات، واحترام الغير، وتقدير الحرية التي تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين.