الإرهاب أيا كان شكله أو جذوره، من أخطر ما يواجه أي مُجتمعٍ على الإطلاق. وهو من أخطر ما يمكن أن يواجه المجتمع الإسلامي، والأمة الإسلامية بأسرها، لأن آثاره، لا تقف عند زعزعة الأمن، الركيزة الأولى للحياة، فقط، وإنما تتجاوز ذلك إلى ما نرى ونلمس من آثار سلبيةٍ على فكر الأمة، وخاصة فكر شبابها، وعلى الدين الإسلامي وصورته في أعين العالم. حيث شوه الإرهاب، المنسوب زورا وبُهتانا إلى الإسلام والمسلمين، كثيرا من معاني الدين الإسلامي الجميلة، وقيمه الرفيعة، وأساء إلى المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. ومن نافلة القول، التأكيد على أن المملكة العربية السعودية، وهي قلب الإسلام والعالم الإسلامي النابض، وقبلة المسلمين أينما كانوا، هي من أكثر بلدان العالم التي اكتوت بنار الإرهاب وتعرضت للظُلم والافتراء، عن سوء قصد أو سوء فهم، بسببه. ولكن الله، جل وعلا، يأبى إلا أن يُتم نوره ولو كره المُبطلون، فقد سخر لهذه البلاد العزيزة، وللإسلام والمسلمين، قيادة رشيدة نظرت إلى الإرهاب نظرة تمعُنٍ وتعمُق، وأدركت أن ما يظهر من الإرهاب من أذرعٍ ومخالب وذيول ليس في خطورة ما يختفي منه من جذورٍ ومنابع. لهذا، وبالإضافة إلى جهودها الأمنية الميدانية الجبارة، التي تُذكر فتُشكر، في قطع أيدي الإرهاب وذيوله، اتجهت الدولة، أيدها الله، إلى مواجهة الإرهاب في جذوره، وسعت إلى تجفيف منابعه، فسمت الأشياء بأسمائها، وواجهت جميع التيارات والجماعات، التي تتبنى التطرف، وتبث العنف، وتعمل على إثارة القلاقل والفتن، وكشفت مصادرها ومقاصدها، وفضحت زيف ما يتبنونه من أفكار وانحراف وما يدعون إليه من مبادئ هدامةٍ لا علاقة لها بالإسلام ولا بالمسلمين، وبينت أن علاقة مثل هذه التيارات والجماعات بالإصلاح الذي تدعيه إنما هي أشبه بالذئب الذي لبس فرو الخروف ليُدلِس على من حوله حاله، وليتمسكن ليتمكن. ولم تستثن الدولة، أعزها الله، في هذه الجهود قريبا ولا غريبا، لأن الشر ملة واحدة، فأدرجت في قوائم الإرهاب والإرهابيين الأفراد والجماعات والمنظمات، كجماعة الإخوان المسلمين، وتنظيم القاعدة، وعصابات داعش، ومن لف لفها من منظمات الإفساد والدمار، وطُغمة حزب الشيطان، وغيرها. ولا أدل على جدية قيادات وأجهزة الدولة في سيرها نحو القضاء على جذور الإرهاب وتجفيف منابعه، بغض النظر عن مصدره، من موقف المملكة، مع شقيقاتها مملكة البحرين ودولة الإمارات وجمهورية مصر، من تبني القيادة في دولة قطر، أصلحها الله، لدعم وتمويل الإرهاب، وإيواء الإرهابيين، والعمل على زعزعة الأمن والاستقرار في العديد من الدول العربية وغيرها. ولم تكتف الدولة بتجريم ومجابهة التفكير المُتطرف والإقصائي، والسلوك العنيف، والجرائم الإرهابية لهذه الجماعات، ومن انضوى تحت لوائها من الأفراد، وإنما سعت جادة، وبشكلٍ مدروسٍ ومُقنن، لمواجهة جذور التطرف الفكري، ومنابعه الفاسدة، بالفكر القويم المثمر، والحوار البناء الهادف، والمناصحة الصادقة، ومواجهة الأكاذيب والإشاعات بالحقائق والمعلومات الصحيحة الدقيقة. وكان من أهم ملامح هذه الجهود المباركة، ما نراه من تضافر جهود جميع أجهزة الدولة، تدعمها وقفة الشعب السعودي الواعي لخطورة ما يُجابه، وسعي الجميع معا، في تكاتُفٍ، إلى الإسهام في الوقوف بحزمٍ وثقة، وقفة رجلٍ ثابتٍ واحد، أمام الفتن ومروجيها، والتثبت من الأنباء قبل نشرها وقبل توجيه الاتهام، فأغلقت، بذلك، كل أبواب الفتنة، وكبتت أعداء الأمة، وأحبطت مساعيهم الشريرة لتقويض أمن المجتمع. وبدأت تلوح، في الأفق، بشائر القضاء على الإرهاب كفكر، وعلى أفعاله الشائنة كظاهرةٍ عانى منها العالم كله، وفي مُقدمته المملكة والبلاد الإسلامية. وذلك لأن العمل الدؤوب والجهود الصادقة التي بذلتها المملكة، ولا تزال حريصة على بذلها، قطعت عن هذه التيارات المنحرفة، الماء والكهرباء، كما يقول العامة، وأنا أقول إنها قطعت عنها أوكسجين الحياة، بمجابهتها فكريا، وتجفيف المنابع الآسنة لفكرها العفن، حتى عطلت آلاتها الإعلامية والاقتصادية والاجتماعية، فبات الحلم بمستقبل للأمة خالٍ من الإرهاب حقيقة دانية المنال، ولله الحمد والفضل والمنة.