وحدث ما كنتُ أهجس به وأخاف منه وأتوقع حدوثه في أي لحظة، رغم تشبثي بخيط الأمل الواهي، وجسره الأخف من الريش. رحل حبيبنا حسن السبع بعد أيام قليلة قضاها في المستشفى في حالة حرجة إثر نزيف حاد في الدماغ، فيا للخسارة الفادحة والرحيل المبكر والمفجع لهذا الإنسان الذي زرع حقولًا من الحب والألفة والسكينة في صدر كل من عرفه وحظي بالاقتراب من جنته! سيكون من الصعب على من عرف أبا نزار ألا يتذكره مبتسمًا، أوساخرًا، أو متفجرًا بالضحك الذي يكفكف مجراه بيده الخجولة. وسيكون من الصعب ألا يصافح مقاله الأسبوعي أعيننا صباح كل أربعاء، وألا يتسلل صوته الرصين الساخر من كل شيء إلينا بين الحين والآخر. شخصيًا، لا أتذكر أنني التقيت به أو جالسته أو حادثته على الهاتف دون أن ينفرط عقد الضحكات هنا وهناك. كان شاعرًا وأديبًا وكاتبًا كبيرًا بلا شك، ولكن إنسانيته كانت أكبر وأجمل ما فيه. كان متصالحًا مع نفسه أولًا قبل أن يكون متصالحًا مع الآخرين، وكان تجسيدًا حيًّا لقيم السماحة والتسامح والنأي بالذات عن الصغائر. كان ينأى بنفسه ويترفع عن منازلة طواحين الهواء والخوض في المعارك الدونكيشوتية التي لا يلبث من يتورطون فيها أن يخجلوا من أنفسهم حين يصبحون أكثر وعيًا وأعمق ثقافة وأثقب رؤية. كان شريفًا في خصومته مع الآخرين فلا يذكرهم بسوء ولا يخطئ في حقهم فعلًا أو قولًا. كان متواضعًا مع من هم أصغر منه شأنًا وتجربة وعمرًا، فلا يشعرك أبدًا بفارق العمر والتجربة والمكانة. ولا أنسى له أبدًا (من بين أشياء كثيرة أخرى) أنه تفضل علي وأكرمني بأن يقدم لي في إحدى المحاضرات التي قدمتها عن الترجمة في أحد المنتديات الأهلية بترتيب وتنسيق منه شخصيًا. كان مدرسة خسر كثيرًا من لم يظفر في حياته بالتعلم منها وفيها، غير أن الخسارة الأفدح تظل من نصيب أؤلئك الذين عرفوه عن قرب واقتربوا وتعلموا منه. كم سيبدو من الصعب من الآن فصاعدًا حضور الأنشطة والأمسيات الثقافية في المنطقة وهي مفتقرة إليه خالية منه، وهو الذي طالما كان الغيمة البيضاء التي نفيء إلى ظلها والشجرة التي تظللنا أغصانها الوارفة. وداعًا أبا نزار!