سبق وتحدثت عن مفهوم الشمول المالي، وهو بمعناه البسيط شمول كل أفراد المجتمع وتمكينهم من استخدام الخدمات المصرفية المتنوعة واتاحتها لتكون في متناول الجميع بالتشجيع عليها، وهذا العنوان سيتطرق له اجتماع الدورة الحادية والأربعين لمؤسسات النقد العربية الذي يعقد اليوم الأحد في دولة الامارات العربية المتحدة، وقد اثارتني بالفعل بعض عناوين أوراق العمل التي ستناقش في الاجتماع والتي أفردتها هنا: -المعالجة الرقابية لمخاطر الديون السيادية، الاطار الاشرافي لمخاطر الائتمان والمحاسبة لخسائر الائتمان المتوقعة، قضايا الإسناد الخارجي في الخدمات المالية والمصرفية، واجبات ومسؤوليات المدقق الخارجي، الإطار المؤسسي والقانوني لحماية مستهلكي الخدمات المالية في الدول العربية، نموذج المسح الاحصائي لجانب الطلب على الخدمات المالية، تداعيات إجراءات البنوك المراسلة العالمية على الشمول المالي، المنهجيات الحديثة لاختبارات الأوضاع الضاغطة، تحديات تطبيق نظم الإنذار المبكر، متطلبات تبادل المعلومات الائتمانية في الدول العربية، دور نظم المعلومات الائتمانية في الحد من مخاطر الإفراط في الاستدانة، شمولية المعلومات الائتمانية، إدارة التعثر في نظم البنية التحتية المالية، الإطار الرقابي للقيم المخزنة وعمليات الدفع الإلكترونية، تجربة مصرف الامارات العربية المتحدة المركزي وغيرها من المواضيع، ولكني تعمدت أن أفرد هذه العناوين للقارئ ليقرأها بتأنٍ فكل عنوان يحتاج لمؤتمر وورشة عمل خاصة به فهي مهمة للغاية ومطلوبة للمناقشة. ولكني سأركز على ما يخص الشمولية في ظل تغير السلوك المالي في بيئتنا بطريقة سلبية، فلدينا أخطاء على الصعيدين الفردي والمؤسسي في التعامل مع الخدمات المصرفية وكذلك تقديمها والاستفادة منها، حين نتبنى مشروعية ترويج منتج مصرفي لابد من أن يكون هذا المنتج ذا قيمة مضافة تعزز من قدرته مع تحقيق الفائدة، وليس تجارة مقتصرة على أعلى ربح وأسهل انتفاع وحسب. في الحقيقة هناك الكثير من السلبيات التي يعاني منها النشاط المصرفي والمالي في سوقنا العربية، لذا فالفرد المستهلك يفضل ادخار راتبه البسيط في صندوق خشبي بدل ايداعه في البنك، وذلك بات حاجة ملحة في ظل الاضطرارية التي يعيشها الفرد العربي وحاجته لعملية «المداينة» التي تكلفه سنوات من عمره. فإذا ذهب راتب الفرد في قروضه الشخصية وقروض الاسكان وقروض السيارة وقروض المديونيات فكيف له أن يستفيد هو شخصيا من الخدمات المصرفية الباهظة؟ هذا هو الافراط في الاستدانة غير العقلانية بالمطلق، وبالتالي يترتب عليه سجل حافل بالمداينة للفرد يسجل في معلوماته البنكية ويجعله غير مقبول للتعامل معه لدى البنوك الأخرى، قس على ذلك كل الشعب العربي مديون للبنوك وهو يضع كل راتبه تقريبا في البنوك لسداد قسط قرضه، وإذا كان قانون الاقتراض لا يسمح إلا بنصفه فالنصف الآخر يذهب للجمعيات الشعبية، فعن أي شمولية مالية نتحدث؟ العديد يضطرهم الحال لتجاوز قانون المصرف المركزي لبلوغ أهدافه من التداين، كم نحتاج لهيكلة العمليات المصرفية وجعل قانون القروض والمداينة أكثر سهولة لدى الفرد وتخفيض قيمة الانتفاع والفائدة ونحتاج لتوعية الفرد وهذا الأمر أعتقد أن المعني به ليس الحكومة بل العائلة. أغلب المصارف لدينا تحمي نفسها بمعدل فائدة يقيها المخاطرة حتى العادية منها، وعلى الرغم من أن الرواتب في مجمل دولنا العربية بين متوسطة وعالية، فإن الفرد يستطيع أن يحمي نفسه بوعي ويستفيد من الخدمة المصرفية بعقل، ولكنه يلجأ للحلول الأسرع والأسهل ما يعطي البنوك فرصة أكبر للانتفاع. فهناك صعوبات يتجرعها الفرد حين يريد تمويلا لمشروعه الصغير على سبيل المثال، ولنا أن نقدر تلك المخاطرة إن شئنا، ولكن ماذا عن تقديم الخدمات المصرفية لكل فرد وفق ظروفه وقدراته؟! ففي الوقت الذي تغيرت فيه عقود العمل مع تردي أوضاع سوق العمل العربي، لا تزال قيود المصارف شديدة على مثل هؤلاء بالذات ذوي العقود السنوية، فالكثير من المصارف تحمي نفسها بحسب ما تقتضيه فائدتها هي، فكيف يتعامل الفرد في مثل هذه الحالة وفعالياتنا الاقتصادية تريد أن تعزز مستوى الشمولية المالية؟! متناقض لطيف، ويراد لها صياغة «بالعربي» ربما.