أكثر من أربعة أشهر مرت على ما أصبحنا نسميه (الأزمة القطرية). أدهشتني الأسباب التي أدت إلى نشوء هذه الأزمة على الأرض العربية، أرض الأمة الواحدة واللغة الواحدة والتاريخ الواحد والحاضر الواحد والمستقبل المشترك، وفوق هذا هي أرض الدين الواحد. بل إن دهشتي تتضاعف لأن هذه الأزمة نشأت في بيت من البيوت العربية، نشأت في البيت الخليجي العربي. اعتبرناه (وما زلت أعتبره) نبتة خضراء على طريق (الوحدة العربية). وهكذا تتعاظم دهشتي عندما تبينتُ أن غصنا من أغصان هذه النبتة مال عن الطريق المستقيم.. بل إنه يعمد إلى إفساد النبتة بكاملها.. لأن هذه النبتة الخضراء (دول الخليج العربي) إذا سقطت سقطت معها الأمة العربية، لأن هذه النبتة منبع اللغة العربية، واللغة العربية عند الناس (وأنا أحدهم) هي أس وأساس نماء وبقاء الأسرة الواحدة. وأكثر من هذا فإن هذه النبتة تحتضن مهابط الوحي الإلهي المقدس في مكةالمكرمة والمدينة المنورة وما بينهما. ومن مكةالمكرمة كان الإسراء إلى القدس العظيم. هذه النبتة الخضراء الأرض والتاريخ والإنسان، يتوجب على أهله صيانتها موحدة بأبعادها الثلاثة. الإسلام هو ثاني أكبر ديانة سماوية على الأرض والحمد لله. والمسلمون.. وإخواننا يزيد تعدادهم على مليار وستمائة مليون مسلم، أي ما يعادل 23% من مجموع سكان العالم، والإسلام هو دين الغالبية العظمى منا نحن العرب. والإسلام هو دين أمانة، والعروبة تعني الرحم (الأسرة الواحدة) والأمانة والوفاء. وأهل الخليج تتوحد أرضهم فهم مع القرابة جيران. وتنتشر غالبية الأسر الخليجية العربية على أراضي دول الخليج العربي. وهذا التلاحم الأسري برز واقعا للعيان منذ فجر أول يوم في تاريخ (الأزمة) مما يؤكد تلاحم الأسرة الخليجية ووحدة صيرورتها المستقبلية. أدهشني أن الغصن القطري يعمل في الخفاء على تخريب بقية الأغصان ولا يتردد. أدهشني أكثر كيف يمكن لقطر (الحكام) أن تفكِر في تدمير أرض الأشقاء، وزعزعة الأمن والاستقرار في السعودية (أرض الحرمين الشريفين) والبحرين المسالمة والإمارات الناهضة ومصر الكنانة. بل إنهم، حكام قطر، فكروا في اغتيال زعماء عرب يعملون على بناء بلدانهم وترقية شعوبهم. أدهشني هرولة حكام قطر إلى تقبيل جبين خادم الحرمين الشريفين ويطعنون مبادئه وحرصه على حمايتهم وتطوير بلادهم.. (من أين تعلموا هذه الخصلة الخبيثة).. وهذا السؤال على بساطته هو سؤال خطير. هل تخلى الحاكم القطري عن تاريخه، وعن شعبه؟ هل تخلى عن فضيلة الصدق ولو على النفس؟ الإجابة عن التساؤلات السابقة تكمن في تصرفات قطر.. الأزمة. ترفُع غير نبيل على الكويت الشعب والحكومة. هرولة الدولة إلى خارج البيت الخليجي. تعاون مع خصم لدود لنهضة العرب كلهم بما فيهم قطر (الأرض والشعب). تعامل مع عدو الأمة العربية (تاريخها وحاضرها ومستقبلها) عدو يحتل القدس ويمارس إرهاب الدولة مع أشقائنا في فلسطين. إنه الجهل بروح الإسلام ورابطة العروبة. إنه الطموح الذي يفتقد الأخلاق ولا يعتمد إلا على متاع الدنيا (المال) ومتاعها زائل. إنه عدم الإصغاء (ولا أقول الاستماع) إلى النصيحة. إنه عدم التمسُك بالوعود والعهود والاتفاقات. والإنسان عندما لا يفي بما يعد فهو بهذا لا يحطم إلا نفسه، والإنسان عندما لا يرضى بما هو أهل له فهو طماع. وعندما يطمع فيما يتمتع به غيره فهو حسود. ونحن العرب في جميع ديارهم وفي قطر أولا نعرف أن الحسد داء لا دواء له. ولكنه داء لا يمتد إلى بقية الأعضاء، إنه يتمكن من العضو الحاسد.. وقد قال حكماؤنا السالفون: قتل الله الحسد ما أعدله/ بدأ بصاحبه فقتله. كلُنا نطمح إلى بناء نهضة عربية شاملة، والنهضة لا تبنى بالمال ولا تشترى به، ولا تقوم على رذيلة.. إنها تقوم في نظري -على سبعة مبادئ هي العلم والعمل والمال والوقت والتخطيط والتنظيم وخدمة الإنسان. ولو خلت من هذه المبادئ (أو أحدها) فإن مشروع النهضة يتحول على الإنسانية إلى ويل. وهنا أتساءل: من أين جاء الجهل؟ من أين جاءت الغطرسة والتكبر؟ من أين تولد الحسد والطمع بل والضلال؟ وأخيرا ما مبررات (حكام قطر) لهذه الأزمة الهوجاء، زعزعة استقرار الأقطار الشقيقة، تشجيع خطاب العنف والإرهاب بل وتمويله وتمويل وإيواء من يقوم بهذا العنف، التعامل والتعاون مع أعداء الأمة العربية؟ ونحن في المملكة العربية السعودية لا نزال نرقب ضوءا عاقلا يصدر عن (حكام قطر).. ففي مخزوننا الديني (والثقافي) نور وهدى.