شباب كشافة انتشروا على المداخل والمخارج، مواصلات ذات تقنية عالية سُخرت لهم، مصاحف مطبوعة، أغذية متنوّعة، مترجمون بكل اللغات، استعدادات طبية، تخطيط وتنسيق متقن، وتوحيد رأي ومشورة بين جميع القطاعات، والأهم من ذلك رجال أمن طوَّقوا كل مكان لسد الحاجات وتلبية النداء. يا راحلين إلى منى بقيادي هيجتموا يوم الرحيل فؤادي سرتم وسار دليلكم يا وحشتي الشوق أقلقني وصوت الحادي بين فرحة اللقاء الأولى وأبعاد الاشتياق، بعد التقلب بين قراءة الكتب والاستشارة، بعد أن استودعوا الله أنفسهم وأهليهم وأحبابهم، غادر الحجيج ديارهم وهم على شوق لأداء هذه الشعيرة، بين طفل لا يكاد يعقل وشاب أدرك إتمام أركانه، وكهل حُمل على ظهر بنيه، وأم تركت صبيتها الصغار لتلحق الركب، أعراق وأنساب، رجال وأطفال ونساء تجمّعوا في مكان واحد وساحة واحدة وعلى كلمة واحدة، لم يهابوا الموت ولم يفكروا في أقوال الحاقدين، بل استجمعوا قواهم ووهبوا أنفسهم لله «سبحانه وتعالى» ثم لمملكة نذر حكامها وأولياء أمورها أنفسهم لسلامة من يرتادها، فكان الأمن وكان الأمان. أعين تتابع كل صغيرة وكبيرة، وخادم الحرمين الشريفين ولي أمرنا أولى عنايته وأصدر أوامره بألا يُعكّر صفو الحجيج بأي أمر كان، وسيضرب بيدٍ من حديد على من يتعدّى الحدود ويعكّر صفو المكان. يقال إن الإمام أبا حنيفة كان يراوده تردد في تحديد أفضل العبادات الإسلامية، وعندما حج قال: أيقنت الآن بأن الحج أفضل العبادات. وأقول، وبكلمات تسلم من عيوب الإطالة وتبرز فيها عذوبة التسلسل المغموس بنور المحبة: إنني ترددت بين أكثر الدول أمناً وأماناً وراحة بال، فلم أجد آمَن من مملكتي ومملكة كل مسلم، عربياً كان أم أجنبياً، مملكة شرُف أولياء أمورها بخدمة الحجيج، وكان هدفهم الأسمى سلامتهم وأمنهم. مملكة فتحت ذراعيها لتحضن الوفود وتكرم نزلهم، مملكة جعلت الكل تحت مظلة واحدة في هذا الموسم، مملكة رفعت ذكر الله عالياً، فرفع الله ذكرها بين الجميع، فطوبى لنا ولهم ذلك.